المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

10- ومن الناس من يقول بلسانه : آمنا ، فإذا أصابه أذى في سبيل الله جزع وفُتن عن دينه ، ولم يفكر في عذاب الله يوم القيامة ، فكأنه جعل إيذاء الناس كعذاب الله في الآخرة . إذا نصر الله المؤمنين على عدوهم فغنموا منهم جاء هؤلاء المتظاهرون بالإيمان ، وقالوا للمسلمين : إنا كنا معكم في الإيمان ، فأعطونا نصيباً من الغنيمة . لا ينبغي أن يظن هؤلاء أن أمرهم خافٍ على الله ، فالله أعلم بما في صدور الناس من نفاق وإيمان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

ثم يرسم القرآن الكريم بعد ذلك صورة واضحة لأصحاب القلوب المريضة ، والنفوس الضعيفة ، ويحكى جانبا من أقوالهم الفاسدة ، ودعاواهم الكاذبة فيقول : { وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ . . . عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .

وقوله - سبحانه - : { وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ آمَنَّا بالله . . . } بيان لحال قوم ضعف إيمانهم ، واضطراب يقينهم ، بعد بيان حال المؤمنين الصادقين فى قوله : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين } قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ آمَنَّا بالله . . . } قال مجاهد : نزلت فى ناس من المنافقين بمكة ، كانوا يؤمنون ، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك ، وقال عكرمة : كان قوم قد أسلموا فأكرههم المشركون على الخروج إلى در ، فقُتل بعضهم .

والمعنى : { وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ } بلسانه دون أن يواطئ هذا القول قلبه { آمَنَّا بالله } .

وقوله { فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله } بيان لحال هذا البعض من الناس عندما تنزل بهم المصائب والنكبات .

أى : فإذا أوذى هذا البعض - بعد قوله آمنا بالله - من أجل هذا القول ومن أجل تركه الدين الباطل ، ودخوله فى الدين الحق { جَعَلَ فِتْنَةَ الناس } له أى جعل عذابهم له ، وإيذاءهم إياه { كَعَذَابِ الله } أى بمنزلة عذاب الله فى الشدة والألم ، فيترتب على ذلك أن يتزلزل إيمانه ، ويضعف يقينه ، بل ربما رجع إلى الكفر بعد الإِيمان .

وفى جعل هذا البعض { فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله } دليل واضح على ضعف إيمانه ، وفساد تفكيره ، لأن عذابا لناس له دافع ، أما اعذاب الله فلا دافع له ، ولأن عذاب الناس لا يترتب عليه ثواب عظيم ، أما عذاب الله فهو بسبب غضب الله - سبحانه - على من عصاه ، ولأن عذاب الناس معروف أمده ونهايته أما عذاب الله فلا يعرف أحد مداه أو نهايته .

ثم بين - سبحانه - حال هذا الفريق إذا ما مَنَّ الله - تعالى - على المؤمنين الصادقين بنصر ، فقال : { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } .

والضمير فى قوله : { لَيَقُولُنَّ } بضم اللام يعود إلى { مَن } فى قوله : { مَن يِقُولُ } . باعتبار معناها ، كما أن إفراد الضمائر العائدة إليها باعتبار لفظها ، أى : هكذا حال ضعاف الإِيمان ، عند الشدائد يساوون عذاب الناس بعذاب الله ، ولا يثبتون على إيمانهم أما إذا جاءكم النصر - أيها الرسول الكريم - فإن هؤلاء الضعاف فى إيمانهم ، يقولون بكل ثقة وتأكيد : إنا كنا معكم مشايعين ومؤيدين ، ونحن إنما أُكرهنا على ما قلنا ، وما دام الأمر كذلك فأشركوننا معكم فيما ترتب على النصر من مغانم وخيرات .

وقوله - سبحانه - : { أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين } رد عليهم فى دعواهم الإِيمان ، وفى قولهم للمؤمنين : { إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } والاستفهام لإِنكار ما زعموه ، ولتقدير علم الله - تعالى - الشامل للسر والعلانية .

أى : إن الله - تعالى - عالم بما فى صدور العالمين جميعا من خير وشر ، وإيمان وكفر .

وإن هؤلاء الذين يقولون آمنا ، ليس الله - تعالى - فى حاجة إلى قولهم ، فهو - سبحانه - يعلم السر وأَخفى

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

يقول تعالى مخبرًا عن صفات قوم من [ المكذبين ]{[22495]} الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ، ولم يثبت الإيمان في قلوبهم ، بأنهم إذا جاءتهم فتنة ومحنة في الدنيا ، اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم ، فارتدوا عن الإسلام ؛ ولهذا قال : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } .

قال ابن عباس : يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله . وكذا قال غيره من علماء السلف . وهذه الآية كقوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } [ الحج : 11 ] .

ثم قال : { وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } أي : ولئن جاء نصر قريب من ربك - يا محمد - وفتح ومغانم ، ليقولن هؤلاء لكم : إنا كنا معكم ، أي [ كنا ]{[22496]} إخوانكم في الدين ، كما

قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 141 ] ، وقال تعالى : { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [ المائدة : 52 ] .

وقال تعالى مخبرا عنهم هاهنا : { وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } ، ثم قال تعالى : { أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } أي : أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم ، وما تكنُّه ضمائرهم ، وإن أظهروا لكم الموافقة ؟


[22495]:- زيادة من ف ، أ.
[22496]:- زيادة من ف.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

وقوله تعالى : { ومن الناس } الآية إلى قوله { المنافقين } نزلت في قوم من المسلمين كانوا بمكة مختفين بإسلامهم ، قال ابن عباس : فلما خرج كفار قريش إلى بدر أخرجوا مع أنفسهم طائفة من هؤلاء فأصيب بعضهم فقال المسلمون كانوا أصحابنا وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم }{[9214]}

[ النساء : 97 ] ، قال فكتبت لمن بقي بمكة بهذه الآية أي لا عذر لهم ، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة وردوهم إلى مكة فنزلت فيهم هذه الآية ، { ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية{[9215]} ، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير ، ثم نزلت فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم }{[9216]} [ النحل : 110 ] ، فكتب لهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم فنجا من نجا وقتل من قتل{[9217]} ، وقال ابن زيد : نزلت قوله تعالى : { جعل فتنة الناس } الآية في منافقين كفروا لما أوذوا ، وقوله تعالى : { جعل فتنة الناس كعذاب الله } أي صعب عليه أذى الناس حين صده وكان حقه أن لا يلتفت إليه وأن يصبر له في جنب نجاته من عذاب الله ، ثم أزال تعالى موضع تعلقهم ومغالطتهم أن جاء نصر ، ثم قررهم على علم الله تعالى بما في صدورهم أي لو كان يقيناً تاماً وإسلاماً خالصاً لما توقفوا ساعة ولركبوا كل هول إلى هجرتهم ودار نبيهم .


[9214]:من الآية 97 من سورة النساء.
[9215]:هي آيتنا التي نحن بصدد تفسيرها.
[9216]:الآية 110 من سورة النحل.
[9217]:أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما، (الدر المنثور). هذا وقد سبق الاستشهاد به في سورة (النساء) عند تفسير الآية 97، راجع الجزء الرابع صفحة 190 وما بعدها.