فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

{ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين10 وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين11 }

بعض من الناس يؤمن بلسانه ولم يؤمن قلبه ، ويحسب أن لن تكون فتنة ، ولن يختبر فتظهر للخلق حقيقته ، لكن هيهات أن يترك دون امتحان ، فقد مضت سنة الله ) . . ولن تجد لسنة الله تبديلا( {[3163]} أن يبتلي العباد حتى يظهر الصادق من المنافق ، وبهذا أقسمت الآية الكريمة : )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم( {[3164]} ولن يسوي الله بين الأتقياء والأدعياء : )ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب . . ( {[3165]} فإذا أدرك أدعياء الإيمان ضررا أو أذى لإيمانهم بالله ، ومن أجل استجابتهم لدعوة الحق ، وعذبهم الكافرون المبطلون على اتباع سبيل الرشد ، جزعوا وأطاعوا الناس خشية إيذائهم ، ولم يثبتوا على الهدي حتى يسلموا من عذاب ربهم ، ولو عقلوا لاحتملوا وكانوا من أهل اليقين البررة ) . . الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( {[3166]} ، ولا يمنعهم جزعهم ووهنهم وهوانهم من معاودة دعوى الإيمان ابتغاء عرض الحياة الدنيا ، فإذا نصركم الله أهل الصدق والجهاد والإيمان ، قال المفتونون الخوارون الفرارون : لقد كنا معكم في ثباتكم ، ومناوأة عدوكم ، فدعونا ننل حظا مما غنمتم ، أيخفى حالهم أوليس الله بمطلع على ما أضمرته قلوبهم ؟ بلى ! فإن المنافقين يحسبون أنهم ) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون( {[3167]} ، والله خادعهم ، وسيمكر بهم ، فيهتك نفاقهم ، ويغلظ العذاب لهم : ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا( {[3168]} ويوم تبلى السرائر فما لأحد منهم من قوة ولا حيلة ولا ناصر ، وليظهرن الله تعالى في العاجل والآجل صدق المتقين ، وزيغ المنافقين )ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب . . ( {[3169]} .

وذكر المنافقين في هذه السورة المكية- عند أكثر علماء القرآن- يكون من الإخبار بالغيب ، والتبصرة بما سيلاقي أهل الإيمان بعد من أدعياء الإيمان لا من أوليائه ، وذهبت طائفة من العلماء إلى أن هذه الآيات العشر مدنية ، وسائر السورة من المكي الذي نزل قبل الهجرة .


[3163]:سورة الأحزاب. من الآية 62.
[3164]:سورة محمد. الآية 31.
[3165]:سورة آل عمران. من الآية 179.
[3166]:سورة البقرة. من الآية 177.
[3167]:سورة البقرة. الآية 9.
[3168]:سورة النساء. الآية 145.
[3169]:سورة آل عمران. من الآية 179.