تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

{ ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } نزلت في عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشي ، وذلك أن عياشا أسلم ، فخاف أهل بيته ، فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبي جندل بن نهشل التميمي ألا تأكل ولا تشرب ، ولا تغسل رأسها ، ولا تدخل كنا ، حتى يرجع إليها ، فصبرت ثلاثة أيام ، ثم أكلت وشربت ، فركب أبو جهل عدو الله والحارث ابنا هشام ، وهما أخواه لأمه ، وهما بنو عم حتى أتيا المدينة ، فلقياه ، فقال أبو جهل لأخيه عياش : قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها ، وآثر عندها ، لأنه كان أصغرهم سنا ، وكان بها بارا ، وقد حلفت أمك ألا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تغسل رأسها ، ولا تدخل بيتا ، حتى ترجع إليها ، وأنت تزعم أن في دينك بر الوالدين ، فارجع إليها ، فإن ربك الذي بالمدينة هو بمكة فاعبدوه بها ، فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا يحركاه ، فاتبعهما ، فأوثقاه ، ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل في عياش : { ومن الناس من يقول ءامنا بالله } يعنى صدقنا بتوحيد الله ، { فإذا أوذي في الله } يعنى ضربهما إياه { جعل فتنة الناس } يقول : جعل عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة ، كقوله عز وجل : { يوم هم على النار يفتنون } [ الذاريات :13 ] ، يعنى يعذبون .

ثم استأنف { ولئن جاء نصر من ربك } على عدوك بمكة وغيرها ، إذا كان للمؤمنين دولة { ليقولن } المنافقون للمؤمنين { إذا كنا معكم } على عدوكم ، وإذا رأوا دولة للكافرين شكوا في إيمانهم ، { أو ليس الله } يعنى عز وجل ، أو ما الله { بأعلم بما في صدور العالمين } آية من الإيمان والنفاق .