تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

المفردات :

أوذي في الله : عُذب من الكافرين بسبب إسلامه .

فتنة الناس : أذاهم له .

كعذاب الله : أي : في الخوف منه ، فيطيعهم فينافق .

إنا كنا معكم : كنا مشايعين ومناصرين لكم في الدين .

التفسير :

10-{ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } .

ترسم الآية نموذجا لفئة من الناس تعلن الإيمان ، وتظن أن الإيمان كلمة تقال باللسان ، لا يتبعها تضحية أو صبر أو فداء ، فإذا لقى في سبيل الإيمان عذابا أو نكاية أو سجنا ارتد عن دينه ، زاعما أن عذاب الناس في الدنيا مثل عذاب الله في الآخرة ، وشتان ما بينهما ، فعذاب الناس امتحان من نجح فيه كان جزاؤه الجنة ، وعذاب الله في الآخرة عقوبة أبدية خالدة ، والمشقة إذا كانت مستتبعة للراحة العظيمة ، تطيب النفس لها ولا تعدها عذابا .

قال الزجاج : ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله .

أخرج أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، عن أنس قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثالثة ، ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد ، إلا ما وارى إبط بلال )6 .

أسباب النزول

قيل : نزلت في المنافقين .

وقال مجاهد : نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا .

وقال الضحاك : نزلت في أناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون ، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك .

وقيل : نزلت في عياش بن أبي ربيعة أسلم وهاجر ، ثم أوذي وضرب فارتد ، وقدم إلى المدينة أبو جهل والحارث ، وكانا أخوين لأمه ، فأخذاه وعذباه فارتد ، ثم عاش بعد ذلك بدهر وحسن إسلامه .

والآية دعوة إلى الثبات على الإيمان وتحمل الأذى في سبيل الله ، وفيها ذم للنفاق ، وذم للارتداد عن الإسلام .

{ ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } .

تعبر الآية عن انتهازية المنافقين ونفعيتهم ، فهم يفرّون من البأساء ويتواجدون عند الغنيمة والنصر ، هم عند التعرض للعذاب والآلام يفرّون ولا يثبتون ، فإذا جاء نصر من الله للمؤمنين أعلنوا عن أنفسهم ، وقالوا : إنا كنا معكم في الحرب ، نشد أزركم ونناصركم ، ونستحق أن ننال من الغنائم ، والله تعالى مطلع وشاهد على ما تكنه ضمائرهم من الإيمان والنفاق ، فهو سبحانه لا تخفى عليه خافية ، وهم عالم السر وما هو أخفى من السر .