ثم قال : { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله }أي : ومن الناس من يقول أقررنا بالله ( فوحدناه ) {[54387]} ، فإذا آذاه المشركون في إقراره بالله جعل فتنة الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة فارتد عن إيمانه .
ثم قال : { ولئن جاء نصر من ربك } .
يعني نصر لك يا محمد وللمؤمنين ، { ليقولن } أي : ليقول هؤلاء المرتدون عن الإيمان ، الجاعلون فتنة الناس كعذاب الله { إنا كنا معكم } أيها المؤمنون ننصركم على أعدائكم ، كذبا منهم وإفكا .
يقول الله تعالى : { أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } أي : يعلم ما في صدر كل واحد من خلقه ، فكيف يخادع من لا يخفى عليه خافية ولا يستتر عنه سر ولا علانية ؟ قال ابن عباس : فتنته أن يرتد عن الإيمان إذا أوذي في الله {[54388]} .
قال مجاهد : هم أناس يؤمنون بأسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة {[54389]} .
وقال الضحاك {[54390]} وابن زيد {[54391]} : هم منافقون كانوا بمكة إذا أوذوا أو جاءهم بلاء رجعوا إلى الكفر {[54392]} وقال ابن عباس {[54393]} : كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يخفون الإسلام ، فأخرجهم أهل مكة يوم بدر معهم فأصيب بعضهم ، فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم {[54394]} } {[54395]} . فكتب بها إلى ( من ) {[54396]} بقي بمكة من المسلمين فلم يكن لهم عذر فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم {[54397]} الفتنة فنزلت فيهم هذه الآية : { ومن الناس من يقول آمنا {[54398]} } الآية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير ونزلت فيهم : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا } {[54399]} الآية ، فكتبوا إليهم بذلك : إن الله جل ثناؤه قد جعل لكم مخرجا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل {[54400]} .
وقال قتادة في الآيتين إلى { وليعلمن المنافقين } ، هذه الآيات نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة ، وهذه الآيات العشر مدنية إلى ها هنا وسائرها مكي {[54401]} .
قال مجاهد : جعل فتنة الناس كعذاب الله ، أي : جعل أذى الناس له في الدنيا كعذاب الله على معصيته ، فأطاعهم كما يطيع الله من خاف عقابه .
وقيل : المعنى : خاف من عذاب الناس كما خاف من عذاب الله {[54402]} ، ثم قال { ليقولن } فرده على المعنى فجمع ، ورده أولا على اللفظ فوحد .
وقوله : { أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } أي : يعلم أنهم لكاذبون في قولهم : إنا كنا معكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.