المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

190- فلما أعطاهما ما طلبا جعلا الأصنام شركاء للَّه تعالى في عطيته الكريمة ، وتقربا إليها ، كأنهما يشكرانها ، واللَّه - وحده - هو المستحق للشكر يتعالى ويتسامى عن أن يكون كشركائهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أى : فحين أعطاهما - سبحانه - الولد الصالح الذي كانا يتمنيانه ، جعلا لله - تعالى - شركاء في هذه العطاء ، وأخلا بالشكر في مقابلة هذه النعمة أسوأ إخلال ، حيث نسبوا هذا العطاء إلى الأصنام والأوثان ، أو إلى الطبيعة كما يزعم الطبعيون أو إلى غير ذلك مما يتنافى مع إفراد الله - تعالى - بالعبادة والشكر .

وقوله { فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه فيه معنى التعجيب من أحوالهم . أى : تنزه - سبحانه - وتقدس عن شرك هؤلاء الأغبياء الجاحدين الذين يقابلون نعم الله بالإشراك والكفران .

والضمير في { يُشْرِكُونَ } يعود على أولئك الآباء الذين جعلوا لله شركاء : هذا والمحققون من العلماء يرون أن هاتين الآيتين قد سيقتا توبيخا للمشركين حيث إن الله - تعالى - أنعم عليهم بخلقهم من نفس واحدة ، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن ، وأعطاهم الذرية ، وأخذ عليهم العهود بشكره على هذه النعم ، ولكنهم جحدوا نعمه وأشركوا معه في العبادة والشكر آلهة أخرى { فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

ويرى بعض المفسرين أن المراد بهذا السياق آدم وحواء ، واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام أحمد - بسنده - عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لما طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش ، وكان ذلك من وحى الشيطان وأمره .

وقد أثبت ابن كثير في تفسيره ضعف هذا الحديث من عدة وجوه ، ثم قال : قال الحسن : عنى الله - تعالى - بهذه الآية ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده ، وقال قتادة : كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى رزقهم الله اولاداً فهودوا ونصروا . قال ابن كثير : وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ، ونحن على مذهب الحسن البصرى في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ، ولهذا قال : { فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

وقال صاحب الانتصاف : والأسلم والأقرب أن يكون المراد - والله أعلم - جنسى الذكر والأنثى لا يقصد فيه إلى معين . وكأن المعنى خلقكم جنسا واحداً ، وجعل أزواجكم منكم أيضاً لتسكنوا إليهن ، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر ، الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت . وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون على حد قولهم : " بنو فلان قتلوا قتيلا " يعنى من نسبة البعض إلى الكل .

والذى نراه أن الآيتين ورادتان في توبيخ المشركين على شركهم ونقضهم لعهودهم مع الله - تعالى - لأن الأحاديث والأثار التي وردت في أنهما وردتا في شأن آدم وحواء لتسميتها ابنهما بعبد الحارث اتباعاً لوسوسة الشيطان لهما - ليست صحيحة ، كما أثبت ذلك علماء الحديث .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ذكر المفسرون هاهنا آثارا وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها ، ثم نتبع ذلك بيان الصحيح في ذلك ، إن شاء الله وبه الثقة .

قال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي{[12508]} صلى الله عليه وسلم قال : " ولما ولدت حواء طاف بها إبليس - وكان لا يعيش لها ولد - فقال : سميه عبد الحارث ؛ فإنه يعيش ، فسمته عبد الحارث ، فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " .

وهكذا رواه{[12509]} ابن جرير ، عن محمد بن بشار ، بُنْدَار ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، به .

ورواه الترمذي في تفسيره{[12510]} هذه الآية عن محمد بن المثنى ، عن عبد الصمد ، به وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم ، عن قتادة ، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ، ولم يرفعه .

ورواه الحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الصمد مرفوعًا ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره ، عن أبي زُرْعَة الرازي ، عن هلال بن فياض ، عن عمر بن إبراهيم ، به مرفوعًا .

وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض ، عن عمر بن إبراهيم ، به مرفوعا{[12511]}

قلت : " وشاذ " [ هذا ]{[12512]} هو : هلال ، وشاذ لقبه . والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري ، وقد وثقه ابن معين ، ولكن قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به . ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن سمرة{[12513]} مرفوعا فالله أعلم .

الثاني : أنه قد روي من قول سمرة نفسه ، ليس مرفوعًا ، كما قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه . وحدثنا ابن علية{[12514]} عن سليمان التيمي ، عن أبي العلاء بن الشخير ، عن سمرة بن جندب ، قال : سمى آدم ابنه " عبد الحارث " .

الثالث : أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا ، لما عدل عنه .

قال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : { جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } قال : كان هذا في بعض أهل الملل ، ولم يكن بآدم{[12515]}

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال الحسن : عنى بها ذرية آدم ، ومن أشرك منهم بعده - يعني : [ قوله ]{[12516]} { جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا }{[12517]}

وحدثنا بشر{[12518]} حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولادًا ، فهوّدوا ونَصَّروا{[12519]}

وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن ، رحمه الله ، أنه فسر الآية بذلك ، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت{[12520]} عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما عدل عنه هو ولا غيره ، ولا سيما مع تقواه لله وَوَرَعه ، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب ، من آمن منهم ، مثل : كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله [ تعالى ]{[12521]} إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع ، والله أعلم .

فأما{[12522]} الآثار فقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن داود بن الحُصَين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت حواء تلد لآدم ، عليه السلام ، أولادا فيعبدهم لله ويُسَمّيه : " عبد الله " و " عبيد الله " ، ونحو ذلك ، فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس وآدم فقال : إنكما لو تسميانه بغير الذي تُسميانه به لعاش{[12523]} قال : فولدت له رجلا{[12524]} فسماه " عبد الحارث " ، ففيه أنزل الله ، يقول الله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } إلى آخر الآية .

/خ190


[12508]:في د: "رسول الله".
[12509]:في أ: "وروي".
[12510]:في د، ك، م، أ: "تفسير".
[12511]:المسند (5/11) وتفسير الطبري (13/309)، وسنن الترمذي برقم (3077)، والمستدرك (2/545).
[12512]:زيادة من أ.
[12513]:في أ: "حمزة".
[12514]:في د، ك، م: "بكر بن عبد الله".
[12515]:تفسير الطبري (13/314).
[12516]:زيادة من ك، م، أ.
[12517]:تفسير الطبري (13/314).
[12518]:في أ: "بشير".
[12519]:تفسير الطبري (13/315).
[12520]:في أ: "ما دلت".
[12521]:زيادة من م.
[12522]:في د، م: "وأما".
[12523]:في ك: "فعاش".
[12524]:في أ: "ولدا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما } أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويدل عليه قوله : { فتعالى الله عما يشركون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

معنى { فلما آتاهما صالحاً } لما أتى من أتاه منهم ولداً صالحاً وضمير { جعلا } للنفس الواحدة وزوجها ، أي جعل الأبوان المشركان .

و« الشِّرْك » مصدر شَرَكه في كذا ، أي جعلا لله شركة ، والشركة تقتضي شريكاً أي جعلا لله شريكاً فيما آتاهما الله ، والخبر مراد منه مع الإخبار التعجيب من سفه آرائهم ، إذ لا يجعل رشيدُ الرأي شريكاً لأحد في ملكه وصنعه بدون حق ، فلذلك عُرف المشروك فيه بالموصولية فقيل { فيما آتاهما } دون الإضمار بأن يقال : جعلا له شركاً فيه : لما تؤذن به الصلة من فساد ذلك الجعْل ، وظُلم جاعله ، وعدم استحقاق المجعول شريكاً لما جعل له ، وكفران نعمة ذلك الجاعل ، إذ شَكَر لمن لم يُعطه ، وكفر من أعطاه ، وإخلاف الوعد المؤكد .

وجُعل الموصول ( ما ) دون ( منَ ) باعتبار أنه عطية ، أو لأن حالة الطفولة أشبه بغير العاقل .

وهذا الشرك لا يخلو عنه أحد من الكفار في العرب ، وبخاصة أهل مكة ، فإن بعض المشركين يجعل ابنه سادنا لبيوت الأصنام ، وبعضهم يحْجُر ابنه إلى صنم ليحفظه ويرعاه ، وخاصة في وقت الصبا ، وكل قبيلة تنتسب إلى صنمها الذي تعبده ، وبعضهم يسمى ابنه : عبد كذا ، مضافاً إلى اسم صنم كما سَمُّوا عبدَ العُزى ، وعبدَ شمس ، وعبدَ مناة ، وعبدَ يا ليل ، وعبدَ ضخم ، وكذلك امرؤ القيس ، وزيد مناءة ، لأن الإضافة على معنى التمليك والتعبيد ، وقد قال أبو سفيان ، يومَ أحد : « اعْلُ هُبل » وقالت امرأة الطفيل لزوجها الطفيل بن عَمرو الدوسي حين أسلم وأمرها بأن تسلم « لا نخشى على الصبية من ( ذي الشّرَى ) شيئاً » ذو الشرى صنم .

وجملة : { فتعالى الله عما يشركون } أي : تنزه الله عن إشراكهم كله : ما ذُكر منه آنفاً من إشراك الوالدين مع الله فيما آتاهما ، وما لم يذكر من أصناف إشراكهم .

وموقع فاء التفريع في قوله : { فتعالى الله } موقع بديع ، لأن التنزيه عما أحدثوه من الشرك يترتب على ما قبله من انفراده بالخلْق العجيب ، والمنن العظيمة ، فهو متعال عن إشراكهم لا يليق به ذلك ، وليس له شريك بحق ، وهو إنشاء تنزيه غيرُ مقصود به مخاطب .

وضمير الجمع في قوله : { يُشركون } عائد إلى المشركين الموجودين لأن الجملة كالنتيجة لما سبقها من دليل خَلْق الله إياهم .

وقد روَى الترمذي وأحمد : حديثاً عن سُمرة بن جندب ، في تسويل الشيطان لحواء أن تسمي ولدها عبد الحارث ، والحارث اسم إبليس ، قال الترمذي حديث حسن غريب ، ووسمه ابن العربي في « أحكام القرآن » ، بالضعف ، وتبعه تلميذه القرطبي وبيّن ابنُ كثير ما في سنده من العلل ، على أن المفسرين ألصقوه بالآية وجعلوه تفسيراً لها ، وليس فيه على ضعفه أنه فسّر به الآية ولكن الترمذي جعله في باب تفسير سورة الأعراف من « سنُنه » .

وقال بعض المفسرين : الخطاب في { خلقكم من نفس واحدة } لقريش خاصة ، والنفس الواحدة هو قُصي بنُ كلاب تزوج امرأة من خُزاعة فلما آتاهما الله أولاداً أربعة ذكوراً سمى ثلاثة منهم عبد مناف ، وعبد العُزى ، وعبد الدار ، وسمى الرابع « عبداً » بدون إضافة وهو الذي يُدعى بعبْد قُصي .

وقرأ نافع ، وعاصم في رواية أبي بكر عنه ، وأبو جعفر : شِرْكاً بكسر الشين وسكون الراء أي اشْتراكاً مع الله ، والمفعول الثاني لفعل جعلا محذوف للعلم به ، أي جعلا له الأصنام شركاً ، وقرأ بقية العشرة شُركاء بضم الشين جمع شريك ، والقراءتان متحدتان معنى .

وفي جملة : { فتعالى الله عما يشركون } محسن من البديع وهو مجيء الكلام متزناً على ميزان الشعر ، من غير أن يكون قصيدة ، فإن هذه الجملة تدخل في ميزان الرَمل .

وفيها الالتفات من الخطاب الذي سبق في قوله : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } وليس عائد إلى ما قبله ، لأن ما قبله كان بصيغة المثنى خمس مرات من قوله : { دَعوا الله ربهما } إلى قوله { فيما آتاهما } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلما رزقهما الله ولدا صالحا كما سألا جعلا له شركاء فيما آتاهما ورزقهما.

ثم اختلف أهل التأويل في الشركاء التي جعلاها فيما أوتيا من المولود؛ فقال بعضهم: جعلا له شركاء في الاسم... حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الصمد، قال حدثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «كانَتْ حَوّاءُ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ لَئِنْ عاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمّيَنه عَبْدَ الحَرْثِ، فعاشَ لَهَا وَلَدٌ، فَسَمّتْهُ عَبْدَ الحَرْثِ، وإنّمَا كانَ ذلكَ مِنْ وَحْيِ الشّيْطانِ»...

وقال آخرون: بل المعنيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد. وقالوا: معنى الكلام: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها: أي هذا الرجل الكافر، حملت حملاً خفيفا، فلما أثقلت دعوتما الله ربكما. قالوا: وهذا مما ابتدئ به الكلام على وجه الخطاب، ثم ردّ إلى الخبر عن الغائب... وأولى القولين بالصواب قول من قال: عني بقوله:"فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ" في الاسم لا في العبادة، وأن المعنيّ بذلك آدم وحوّاء لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.

فإن قال قائل: فما أنت قائل إذ كان الأمر على ما وصفت في تأويل هذه الآية، وأن المعنيّ بها آدم وحوّاء في قوله: "فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ"؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له في الأسماء شريك أو في العبادة؟ فإن قلت في الأسماء دلّ على فساده قوله: "أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ "وإن قلت في العبادة، قيل لك: أفكان آدم أشرك في عبادة الله غيره؟ قيل له: إن القول في تأويل قوله: "فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ" ليس بالذي ظننت، وإنما القول فيه: فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأما الخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله: "جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا" ثم استؤنف قوله: "فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ"... وأما قوله: "فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ" فتنزيه من الله تبارك وتعالى نفسه، وتعظيم له عما يقول فيه المبطلون ويدعون معه من الاَلهة والأوثان...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

شرُّ الناس من يبتهل إلى الله عند هجوم البلاء بخلوص الدعاء، وشدة التضرع والبكاء، فإذا أزيلت شكاتِه، ودُفِعت -بِمِنَّتهِ- آفاتُه ضيَّعَ الوفاء، ونَسِيَ البلاء، وقابل الرِّفْدَ بنقْضِ العهد، وأبدل العقد برفض الود، أولئك الذين أبعدهم الله في سابق الحكم، وخرطهم في سِلْك أهل الرد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَلَمَّا ءاتاهما} ما طلباه من الولد الصالح السويّ {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء} أي جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك {فِيمَا ءاتاهما} أي آتى أولادهما، وقد دلّ على ذلك بقوله: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} حيث جمع الضمير. وآدم وحواء بريئان من الشرك. ومعنى إشراكهم فيما آتاهم الله: تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة، وعبد شمس وما أشبه ذلك، مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم... وجعل الضمير في {يُشْرِكُونَ} لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وهذا تفسير حسن لا إشكال فيه. وقرئ «شِركا»، أي ذوي شرك وهم الشركاء، أو أحدثا لله شركاً في الولد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} أي لما آتاهما الله ولدا سويا صالحا جعلا له شريكا أي جعل آدم وحواء له شريكا، والمراد به الحرث هذا تمام القصة. واعلم أن هذا التأويل فاسد ويدل عليه وجوه:

الأول: أنه تعالى قال: {فتعالى الله عما يشركون} وذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.

الثاني: أنه تعالى قال بعده: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون} وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى، وما جرى لإبليس اللعين في هذه الآية ذكر.

الثالث: لو كان المراد إبليس لقال: (أيشركون من لا يخلق شيئا)، ولم يقل (ما لا يخلق شيئا)، لأن العاقل إنما يذكر بصيغة «من» لا بصيغة «ما»

الرابع: أن آدم عليه السلام كان أشد الناس معرفة بإبليس، وكان عالما بجميع الأسماء كما قال تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} فكان لابد وأن يكون قد علم أن اسم إبليس هو الحرث فمع العداوة الشديدة التي بينه وبين آدم ومع علمه بأن اسمه هو الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وكيف ضاقت عليه الأسماء حتى أنه لم يجد سوى هذا الاسم؟

الخامس: أن الواحد منا لو حصل له ولد يرجو منه الخير والصلاح، فجاءه إنسان ودعاه إلى أن يسميه بمثل هذه الأسماء لزجره وأنكر عليه أشد الإنكار. فآدم عليه السلام مع نبوته وعلمه الكثير الذي حصل من قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} وتجاربه الكثيرة التي حصلت له بسبب الزلة التي وقع فيها لأجل وسوسة إبليس، كيف لم يتنبه لهذا القدر وكيف لم يعرف أن ذلك من الأفعال المنكرة التي يجب على العاقل الاحتراز منها.

السادس: أن بتقدير أن آدم عليه السلام، سماه بعبد الحرث، فلا يخلو إما أن يقال إنه جعل هذا اللفظ اسم علم له، أو جعله صفة له، بمعنى أنه أخبر بهذا اللفظ أنه عبد الحرث ومخلوق من قبله. فإن كان الأول لم يكن هذا شركا بالله لأن أسماء الأعلام والألقاب لا تفيد في المسميات فائدة، فلم يلزم من التسمية بهذا اللفظ حصول الإشراك، وإن كان الثاني كان هذا قولا بأن آدم عليه السلام اعتقد أن لله شريكا في الخلق والإيجاد والتكوين وذلك يوجب الجزم بتكفير آدم، وذلك لا يقوله عاقل. فثبت بهذه الوجوه أن هذا القول فاسد ويجب على العاقل المسلم أن لا يلتفت إليه. إذا عرفت هذا فنقول: في تأويل الآية وجوه صحيحة سليمة خالية عن هذه المفاسد. التأويل الأول: ما ذكره القفال فقال: إنه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل وبيان أن هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك، وتقرير هذا الكلام كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية، فلما تغشى الزوج زوجته وظهر الحمل، دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك. فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما، لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام. ثم قال تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} أي تنزه الله عن ذلك الشرك، وهذا جواب في غاية الصحة والسداد...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وأشار بالفاء إلى قرب الولادة من الدعاء فقال: {فلما آتاهما} أي أبويكم آدم وحواء {صالحاً} أي جنس الولد الصالح في تمام الخلق بدناً وقوة وعقلاً، فكثروا في الأرض وانتشروا في نواحيها ذكوراً وإناثاً {جعلا} أي النوعان من أولادهما الذكور والإناث، لأن "صالحاً "صفة لولد وهو للجنس فيشمل الذكر والأنثى والقليل والكثير، فكأنه قيل: فلما آتاهما أولاداً صالحي الخلقة من الذكور والإناث جعل النوعان {له شركاء} أي بعضهم أصناماً وبعضهم ناراً وبعضهم شمساً وبعضهم غير ذلك...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

هذه الآية سيقت توبيخا للمشركين في جنايتهم بالشرك، ونقضهم ميثاقهم، في جريهم على خلاف ما يعادون الله عليه. وذلك أنه تعالى ذكر ما أنعم به عليهم من الخلق من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن. ثم إنشائه إياهم بعد الغشيان، متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة. ثم بين إعطاءهم المواثيق إن آتاهم ما يطلبون وولد لهم ما يشتهون، ليكونن من الشاكرين. ثم أخبر عن غدرهم وكفرانهم هذه النعم، التي امتن سبحانه بها عليهم، ونقضهم ميثاقهم في إفراده بالشكر، حيث أشركوا معه غيره في ذلك...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} أي فلما أعطاهما ولدا صالحا لا نقص في خلقه، ولا فساد في تركيبه، جعلا له شركاء في إعطائه أو فيما أعطاه بأن كان سببا لوقوع الشرك منهما أو ظهور ما هو راسخ في أنفسهما منه، وسنبين معناه وقرأ نافع وأبو بكر "جعلا له شِركاً "أي شركة أو ذوي شرك، فالمعنى واحد.

{فتعالى الله عما يشركون} أي تعالى شأنه عن شركهم، فإنه هو معطي النسل بما خلقه لكل من الزوجين من أعضاء، وقدر لهما في العلوق والوضع من أسباب، لا فعل لغيره في ذلك البتة. وجمع الضمير هنا بعد تثنيته الأفعال قبله لأن المراد فيه بالزوجين الجنس لا فردين معينين: وقال الزمخشري: إن الضمير في (آتيتنا) و (لنكونن) لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما. والآية على كل من القولين بيان لحال البشر فيما طرأ عليهم من نزعات الشرك الخفي والجلي في هذا الشأن وأمثاله، والجنس يصدق ببعض أنواعه وببعض أفراده.

فمثال الشرك الخفي في إنعام الله عليهم بالنسل ما يسندونه إلى الأسباب في سلامة الحامل من الأمراض في أثناء الحمل أو في حالة الوضع، وفي سلامة الطفل عند الوضع وعقبه وفيما بعد ذلك من الموت أو التشويه أو الأمراض، كقولهم: لولا أن فعلنا كذا لكان كذا، ولولا فلان أو فلانة من طبيب أو مرشد أو قابلة لهلك الولد أو لأجهضت أمه إجهاضا، أو جاءت بسقط لم يستهل، أو لمات عقب إسقاطه لعدم استعداده للحياة. وينسون في هذه الأحوال فضل الله تعالى عليهم بما منّ به من العافية والتوفيق وتسخير الأسباب من البشر وغيرهم، وإن كانوا ممن يذكرونها ولا ينكرونها إذا ذكروا بها- ذلك شأن كثير من الناس في كل نعمة تمسهم، أو نقمة يدفعها الله تعالى عنهم، وهذا الشرك ليس خروجا من الملة، ولكنه نقص في شكر المنعم، ويحتمل أن يكون المراد بالشرك هنا ترجيح حب الأولاد على حب الله تعالى وشغلهم للوالدين عن ذكره وشكره، وإيثارهم لهم على طاعته والتزام ما شرعه من أحكام الحلال والحرام، وهو كسابقه نقص في التوحيد لا نقض له، وغفلة عنه لا جحد به.

ومثال الشرك الجلي إسناد هذه النعم إلى غيره تعالى ممن يدعونهم من دونه ومعه من الأولياء والقديسين، أو الأنبياء والمرسلين، أو ما يذكر بهم أو يمثلهم من القبور أو الأصنام والتماثيل، يقولون: لولا سيدي فلان ولولا مولانا علان لما كان كذا مما نحب، أو لكان كذا وكذا مما نكره، يعتقدون أن لهم فيما كان من نفع ومنه ضرر تأثيرا غيبيا يستقلون به هو فوق تأثير الأسباب المذكورة عن القسم الأول كما تقدم شرحه مرارا أقربها ما في تفسير الآية السابقة.

{فتعالى الله عما يشركون} أي وارتفع مجده، وتعالى جده، تنزها عن شرك هؤلاء الأغبياء أو عن شركائهم أن يكون لهم تصرف في خلقه، أو تأثير في صفاته وأفعاله.

كنت قرأت منذ سنين جل ما قال المفسرون في تفسير هذه الآيات من كتبهم التي بين أيدينا من مأثور وغيره، وما أوردوه فيها من الإشكال، وما لهم في الجواب عنه والتفصي منه من أقوال، ولما أردت كتابة تفسيرها الآن لم أجد مما في ذهني منه شيئا مرضيا يطمئن به قلبي، فتوجهت إلى الله تعالى وفكرت في معناها الذي يعطيه الأسلوب العربي وينطبق على سنة الله في البشر، وفي بيان كتابه لحقائق أحوالهم، فكرت في ذلك قبل النوم وأنا في فراشي، ثم كتبت ما تقدم في آخر النهار، ثم بحثت فيما عندي من كتب التفسير لأكتب خلاصة ما قيل فيها، وانظر فيما عساه يؤيده، وأجيب عما ربما يفنده، فإذا أنا بصاحب الانتصاف يقول بعد ذكر ما نقلناه آنفا من كلمة الزمخشري في ضميري الجمع ما نصه: وأسلم من هذين التفسيرين أن يكون المراد جنسي الذكر والأنثى لا يقصد فيه إلى معين، وكان المعنى والله أعلم: خلقكم جنسا واحدا وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت. وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون لأن المشركين منهم كقوله تعالى: {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا} [مريم: 66] {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17] {إن الإنسان لفي خسر} [العصر: 2] 1ه.

وأما الإشكال الذي أشرنا إليه فهو ما روي عن بعض الصحابة والتابعين وفي حديث مرفوع أيضا من أن الآية في آدم وحواء فقد أخرج أحمد والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه غيرهم من حديث سمرة بن جندب مرفوعا قال: (لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان) وهو على كثرة مخرجيه غريب وضعيف كما سيأتي، وقد جاءت الآثار في هذا المعنى مفصلة ومطولة، وفيها زيادات خرافية، تشهد عليها بأنها من الدسائس الإسرائيلية، وهذه الآثار يعدها بعض العلماء من قبيل الأحاديث المرفوعة لأنها لا تقال بالرأي، والذي نعتقده وجرينا عليه من التفسير أن كل ما هو منها مظنة للإسرائيليات المتلقاة عن مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه فهي لا يوثق بها، فإن كانت مع ذلك مشتملة على ما ينكره الدين أو العلم الصحيح قطعنا ببطلانها وكونها دسيسة إسرائيلية، ومنها ما نحن فيه لأن فيه طعنا صريحا في آدم وحواء عليهما السلام ورميا لهما بالشرك، ولذلك رفضها بعض المفسرين وتكلف آخرون في تأويلها بما تنكره اللغة. وقد اعتمد بعض المتأخرين كصاحب فتح البيان وصاحب روح المعاني الأخذ بحديث سمرة دون آثار الصحابة والتابعين التي فيها ما ليس فيه من رمي آدم بالشرك الصريح، وظنا أنه حجة ووصفاه تبعا للترمذي والحاكم بالحسن وبالصحيح، وما هو بحسن ولا صحيح، على أنه لم يرد تفسيرا للآية كتلك الآثار.

وذهب بعض المفسرين إلى أن الخطاب في الآية لقريش وأن المراد فيها بالنفس الواحدة قصي جدهم، وأن المراد بجعل زوجها منها أنها قرشية أو عربية لما روي أنها من خزاعة لا من قريش، وأن المراد بشركهما تسمية أبنائهما الأربعة عبد مناف وعبد شمس وعبد العزى وعبد الدار- يعني دار الندوة- وفيه نظر من وجوه ذكرها بعض المفسرين لا نضيع الوقت بذكرها. وإنما الذي يصح أن يذكر ويبين بطلانه فهو الروايات التي انخدع بها ولا يزال ينخدع بها الكثيرون، وعمدتنا في تمحيصها، وبيان عللها الحافظ ابن كثير فقد قال في تفسيره ما نصه:

(ذكر المفسرون ههنا آثارا وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة. قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره) 124 وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به، ورواه الترمذي 125 في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعا ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعا، وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عمر بن إبراهيم به مرفوعا (قلت) وشاذ هو هلال وشاذ لقبه، والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو المصري وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتم عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا فالله أعلم.

الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعا كما قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه حدثنا بكر بن عبد الله عن سليمان التيمي عن عبد الأعلى بن الشخير عن سمرة بن جندب قال: سمى آدم ابنه عبد الحارث.

الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه.

قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن (جعلا له شركاء فيما آتاهما) قال كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن نور عن معمر قال: قال الحسن عنى بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده، يعني جعلا له شركاء فيما آتاهما، وحدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا. وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره لاسيما مع تقواه لله وورعه. فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه...، ألا إننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما. فتعالى الله عما يشركون!).. إن بعض الروايات في التفسير تذكر هذه القصة على أنها قصة حقيقية وقعت لآدم وحواء.. إذ كان أبناؤهما يولدون مشوهين. فجاء إليهما الشيطان فأغرى حواء أن تسمي ما في بطنها "عبد الحارث"...وظاهر ما في هذه الرواية من طابع إسرائيلي.. ذلك أن التصور الإسرائيلي المسيحي -كما حرفوا ديانتهم- هو الذي يلقي عبء الغواية على حواء، وهو مخالف تماماً للتصور الإسلامي الصحيح. ولا حاجة بنا إلى هذه الإسرائيليات لتفسير هذا النص القرآني.. فهو يصور مدارج الانحراف في النفس البشرية.. ولقد كان المشركون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، ينذرون بعض أبنائهم للآلهة، أو لخدمة معابد الآلهة! تقرباً وزلفى إلى الله! ومع توجههم في أول الأمر لله، فإنهم بعد دحرجة من قمة التوحيد إلى درك الوثنية كانوا ينذرون لهذه الآلهة أبناءهم لتعيش وتصح وتوقى المخاطر! كما يجعل الناس اليوم نصيباً في أبدان أبنائهم للأولياء والقديسين. كأن يستبقوا شعر الغلام لا يحلق أول مرة إلا على ضريح ولي أو قديس. أو أن يستبقوه فلا ختان حتى يختن هناك. مع أن هؤلاء الناس اليوم يعترفون بالله الواحد. ثم يتبعون هذا الاعتراف بهذه الاتجاهات المشركة. والناس هم الناس! (فتعالى الله عما يشركون!). وتنزه عن الشرك الذي يعتقدون ويزاولون!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

معنى {فلما آتاهما صالحاً} لما أتى من أتاه منهم ولداً صالحاً وضمير {جعلا} للنفس الواحدة وزوجها، أي جعل الأبوان المشركان. و« الشِّرْك» مصدر شَرَكه في كذا، أي جعلا لله شركة، والشركة تقتضي شريكاً أي جعلا لله شريكاً فيما آتاهما الله، والخبر مراد منه مع الإخبار التعجيب من سفه آرائهم، إذ لا يجعل رشيدُ الرأي شريكاً لأحد في ملكه وصنعه بدون حق... وهذا الشرك لا يخلو عنه أحد من الكفار في العرب، وبخاصة أهل مكة، فإن بعض المشركين يجعل ابنه سادنا لبيوت الأصنام، وبعضهم يحْجُر ابنه إلى صنم ليحفظه ويرعاه، وخاصة في وقت الصبا، وكل قبيلة تنتسب إلى صنمها الذي تعبده، وبعضهم يسمى ابنه: عبد كذا، مضافاً إلى اسم صنم كما سَمُّوا عبدَ العُزى، وعبدَ شمس، وعبدَ مناة، وعبدَ يا ليل، وعبدَ ضخم، وكذلك امرؤ القيس، وزيد مناءة، لأن الإضافة على معنى التمليك والتعبيد... وجملة: {فتعالى الله عما يشركون} أي: تنزه الله عن إشراكهم كله: ما ذُكر منه آنفاً من إشراك الوالدين مع الله فيما آتاهما، وما لم يذكر من أصناف إشراكهم...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

...

هذه قصة تصور حال الإنسان في أمور ثلاثة: أولا – أنه وزوجه من جنس واحد مؤتلف متجانس فكلاهما متمم لصاحبه، وكلاهما من خلق واحد، وتكوين واحد، وخلقا متقابلين متكاملين. وثانيا – تصور أنه حال الخوف والطمع لا يلجأ إلا إلى الله، فهو الذي يشبع حاجته، وهو الذي يرجى وحده في الشدة. وثالثا – في أنه إذا ذهب الخوف غلبته الأوهام، وسيطرت عليه...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ الآيتين وما بعدهما من الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى نوع الناس، فهم يدعون الله وينتظرون الولد الصالح في كمال الإِخلاص لله والانقطاع إليه، كمن يحدق بهم الخطر فيلتجؤوا إلى اللّه، ويعاهدون اللّه على شكره بعد حلّ معضلاتهم. ولكن عندما يرزقهم الله الولد الصالح، أو يحلّ مشاكلهم ينسون جميع عهودهم فإنّ كان الولد جميلا قالوا: إنّه اكتسب جماله من أبيه أو أُمّه، وهذا هو قانون الوراثة. وتارةً يقولون: إنّ غذاءه والظروف الصحية تسببت في نموّه وسلامته. وتارةً يعتقدون بتأثير الأصنام ويقولون: إنّ ولدنا كان من بركة الأصنام وعطائها! وأمثال هذا الكلام.. وهكذا يهملون التأثير الرّباني بشكل عام، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية...