الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

قال ( ع ) : وقوله { صالحا } : قال الحَسَن : معناه : غُلاَماً ، وقال ابن عباس ، وهو الأظهر : بَشَراً سَوِّياً سليماً .

وقال قومٌ : إنما الغَرَضُ من هذه الآية تعديدُ النعمة في الأزواج ، وفي تسهيل النَّسْل والولادةِ ، ثم ذكر سُوءَ فعْلِ المشركينَ المُوجبِ للعقابِ ، فقال مخاطباً لجميع الناس : { هُوَ الذي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[ الأعراف :189 ] يريد : آدم وحواء ، أي : استمرت حالُكم واحداً واحداً كذلك ، فهذه نعمةٌ يختصُّ كلُّ واحد بجزء منْها ، ثم جاء قوله : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا . . . } إلى آخر الآية ، وصفاً لحالِ الناس واحداً واحداً ، أي : هكذا يفعلون ، فإِذا آتاهم اللَّه ولداً صالحاً سليماً كما أرادوه ، صرفوه عن الفِطْرة إِلى الشرك ، فهذا فِعْلُ المشركين .

قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه » : وهذا القول هو الأشبه بالحقِّ وأقربُ للصدق ، وهو ظاهر الآية ، وعمومها الذي يشملُ جميعَ متناولاتها ، ويسلم فيها الأنبياءُ عن النّقصِ الذي لا يليقُ بجهَّال البَشَرُ ، فكيف بسادَاتِهِمْ ، وأنبيائهم ؟ ! انتهى .

وهو كلامٌ حسنٌ ، وباللَّه التوفيق ، وقرأ نافعٌ ، وعاصم ، في رواية أبي بَكْر : { شركاً } بكسر الشين ، وسكون الراء على المصدر ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيُّ ، وحفصٌ عن عاصم : ( شُرَكَاء ) على الجمع ، وهي بينة ، على هذا التأويل الأخير ، وقلقةٌ على قول من قال : إن الآية الأولى في آدم وحواء ، وفي مُصْحَف أَبيٍّ بن كَعْب : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً أَشْرَكَا فِيهِ } .