جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء{[1789]} فيما آتاهما } لما حملت حواء جاءها إبليس في غير صورته وقال : هذا الذي في بطنك ربما يكون بهيمة ، وهل تدري من أين يخرج فخوفها مرارا كثيرة ثم قال : لي عند الله منزلة وإن دعوت أن يخرج سالما سويا أتسميه عبد الحارث وهذا اسم إبليس في الملائكة ، فلم ينزل بها حتى غرها فسمته عبد الحارث بإذن من آدم ولم تعرف حواء أنه إبليس وقد صح هذا النقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وكثير من السلف{[1790]} والخلف ، وهذا ليس بشرك حقيقي لأنهما ما اعتقدا أن الحارث ربه بل قصدا إلى أنه سبب صلاحه فسماه الله تعالى شركا للتغليظ ويكون لفظ شركاء من إطلاق الجمع على الواحد { فتعالى الله عما يُشركون{[1791]} } فإن الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم ، وعن الحسن البصري رحمه الله يقول : هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ، ونصروا ، وعلى هذا تقدير الآية جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما فسموه عبد شمس وعبد مناف وغيرهما ، فحذف المضاف وهو الأولاد وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقوله : ( شركاء ) و( تعالى الله عما يشركون ) بلفظ الجمع{[1792]} يدل عليه قيل معناه هو الذي خلق آل قصي وهم قريش من نفس واحدة وهو قصي فجعل من جنسها زوجها عربية قرشية فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد المناف وعبد العزى وعبد القصي وعبد الدار وقيل تم الكلام عند قوله آتاهما ثم ذكر كفار مكة فقال : ( تعالى الله عما يشركون ) .


[1789]:قال قتادة أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة/12 لباب.
[1790]:رواه ابن أبي حاتم وابن جرير والسدي وذكر الترمذي والنسائي والإمام أحمد والحاكم في مستدركه وابن مردويه وابن أبي حاتم حديثا مرفوعا يدل على ما نقلناه عن ابن عباس لكن في رواة الكل نوع ضعف هكذا قال المحدثون/12 منه وفي الفتح حسنه الترمذي وصححه الحاكم/12. [وضعفه الشيخ الألباني في (ضعيف سنن الترمذي)].
[1791]:أيُّ: شرك كان/12.
[1792]:قال الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي وهذه الأقوال كلها متقاربة في المعنى متخالفة في المبنى ولا يخلو كل واحد منها من بعد وضعف وتكلف بوجوه: الأول أن الحديث المرفوع المتقدم يدفعه وليس في واحد من تلكم الأقوال قول مرفوع حتى يعتمد عليه ويصير إليه بل هي تفاسير بالآراء المنهي عنها المتوعد عليها. الثاني: أن فيه انخرام نظم الكلام سياقا وسباقا. الثالث: أن الحديث صرح بأن صاحبة القصة هي حواء وقوله: (جعل منها زوجها) إنما هو لحواء دون غيرها، والقصة ثابتة ولا وجه لإنكارها بالرأي لمحض. الرابع: إن الحديث ليس فيه ذكر حواء وكان هذا شركا منها في التسمية، ولم يكن شركاء في العبادة، قيل: والشرك في التسمية أهون قلت: وفيه بعد ظاهر، لأن الله تعالى ساق آيات التشنيع عليها وهو شرك وإن لم يكن في العبادة، وما قيل إنها إنما قصدت أن الحارث كان سبب نجاة الولد كما يسمى الرجل نفسه عبد ضيفه فهو خطأ؛ لأن الأعلام كما يقصد بها المعاني العلمية كذلك قد يلاحظ معها المعاني الأصلية بالتبعية كما صرح به أهل المعاني، وكان اسم أبي بكر الصديق في الجاهلية عبد الكعبة واسم أبي هريرة عبد الشمس فغيّرهما النبي -صلى الله عليه وسلم- سماهما صديقا وعبد الرحمن وما قيل: إنها سمته بعبد الحارث بإذن من آدم فهذا يحتاج إلى دليل يدل عليه ويصح وأنى له الدليل ولعلها سمته بغير إذن منه ثم تابت من ذلك والحاصل أن ما وقع إنما وقع من حواء من آدم عليه السلام، ولم يشرك آدم قط وعلى هذا في الآية إشكال والذهاب إلى ما ذكرناه متعين تبعا للكتاب والحديث وصونا لجانب النبوة عن الشرك بالله تعالى والذي ذكروه في تأويل هذه الآية الكريمة يرده كله ظاهر الكتاب والسنة كما تقدم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل والله أعلم/12 فتح.