الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } أي ولداً بشراً سوياً حياً آدمياً { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ } .

قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وأبان بن ثعلب وعاصم وعكرمة وأهل المدينة شركاء بكسر الشين والتنوين أي شركه .

قال أبو عبيدة : أي حظاً ونصيباً من غيره ، وقرأ الباقون شركاء مضمومة الشين ممدودة على جمع شريك أخبر عن الواحد بلفظ الجمع ، لقوله تعالى

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] مفرداً ، تم الكلام هاهنا ثمّ قال : { فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يعني أهل مكة .

واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء فقال المفسرون : كان شركاء في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية .

وقال أهل المعاني : أنهما لم يذهبا إلى أن الحرث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحرث لكنهما قصدا إلى أن الحرث سبب نجاة الولد وسلامة أُمّه فسمياه ، كما [ يُسمى ] ربّ المنزل ، وكما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا على أن الضيف ربّه .

كما قال حاتم :

وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاوياً *** وما فيّ إلاّ تلك من شيمة العبد

وقال قوم من أهل العلم : إن هذا راجع إلى المشركين من ذرية آدم وإن معناه جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كقوله تعالى

{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] وكما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تفريقهم بفعل آبائهم ، فقال لليهود الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ اتخذتم العجل من بعده . وقال

{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } [ البقرة : 72 ] . وقال سبحانه :

{ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ } [ البقرة : 91 ] ونحوها ، ويدل عليه ما روى معمر عن الحسن قال : عني بهذا من أشرك من ذرية آدم ولم يكن عنى آدم .

وروى قتادة عنه قال : هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصّروا .

وقال ابن كيسان : هم الكفار جعلوا لله شركاء عبد العزى وعبد مناة .

وقال عكرمة : لم يخص بها آدم ولكن جعلها عامة لجميع بني آدم من بعد آدم .

قال الحسين بن الفضل : وهذا حجب إلى أهل النظر لما في القول الأول من إلصاق العظائم بنبي الله آدم ( عليه السلام ) ويدل عليه جمعه في الخطاب حيث قال : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ، ثمّ قال : { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } انصرف من ذلك الخطاب إلى الخبر يعني فلما تغشى الرجل منكم امرأته .