الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

قوله تعالى : { جَعَلاَ لَهُ } : قيل : ثَمَّ مضاف ، أي : جعل له أولادُهما شركاءَ ، وإلا فحاشا آدم وحواء من ذلك ، وإن جُعِل الضمير ليس لآدم وحواء فلا حاجة إلى تقديره . وقيل في الآية أقوال تقتضي أن يكون الضميرُ لآدم وحواء من غيرِ حَذْفِ مضاف بتأويل ذُكر في التفسير .

وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم " شِرْكاً " بكسر الشين وتسكين الراء وتنوين الكاف . والباقون بضمَّ الشين وفتح الراء ومدِّ الكافِ مهموزةً من غير تنوين ، جمع شريك ، فالشِرْك مصدرٌ ولا بد من حَذْف مضاف ، أي : ذوي شِرْك بمعنى إشراك ، فهو في الحقيقة اسمُ مصدر . وقيل : المرادُ بالشرك النصيبُ ، وهو ما جعلاه مِنْ رزقهما له يأكله معهما ، وكانا يأكلان ويشربان وحدَهما . فالضمير في " له " يعود على الولد الصالح . وقيل : الضمير في " له " لإِبليس ولم يَجْرِ له ذِكْر . وهذان الوجهان لا معنى لهما . وقال مكي وأبو البقاء وغيرهما : إن التقدير يجوز أن يكون : جَعَلا لغيره شِرْكاً . قلت : هذا الذي قدَّروه هؤلاء قد قال فيه أبو الحسن : " كان ينبغي لمَنْ قرأ " شِرْكاً " أن يقول : المعنى : جعلا لغيره شِرْكاً [ فيما أتاهما ] لأنهما لا يُنْكِران أن الأصل لله ، فالشرك إنما لجعله لغيره " .

قوله : { فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قيل : هذه جملةٌ استئنافية ، والضميرُ في " يشركون " يعود على الكفار ، والكلامُ قد تَمَّ قبله . وقيل : يعودُ على آدم وحواء وإبليس ، والمرادُ بالإِشراك تسميتهُما لولدٍ ثالث بعبد الحرث ، وكان أشار بذلك إبليس ، فالإِشراك في التسمية فقط . وقيل : لم يكن آدمُ عَلِم ، ويؤيد الوجهَ الأولَ قراءةُ السلمي " عَمَّا تشركون " بتاء الخطاب ، وكذلك " أَتُشرِكون " بالخطاب أيضاً وهو التفات .