معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

قوله تعالى : { فلما آتاهما صالحا } ، بشراً سوياً .

قوله تعالى : { جعلا له شركاء فيما آتاهما } ، قرأ أهل المدينة وأبو بكر : { شركا } بكسر الشين والتنوين ، أي : شركة ، قال أبو عبيدة : أي حظاً ونصيباً ، وقرأ الآخرون : { شركاء } بضم الشين ممدوداً على جمع شريك ، يعني : إبليس ، أخبر عن الواحد بلفظ الجمع ، أي : جعلا له شريكاً إذ سمياه عبد الحارث ، ولم يكن هذا إشراكاً في العبادة ، ولا أن الحارث ربهما ، فإن آدم كان نبياً معصوماً من الشرك ، ولكن قصد إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة أمه ، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه معبود هذا ، كالرجل إذا نزل به ضيف يسمي نفسه عبد الضيف ، على وجه الخضوع لا على أن الضيف ربه ، ويقول للغير : أنا عبدك ، وقال يوسف لعزيز مصر : إنه ربي ، ولم يرد به أنه معبوده ، كذلك هذا .

قوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } ، قيل : هذا ابتداء كلام ، وأراد به إشراك أهل مكة ، ولئن أراد به ما سبق فمستقيم من حيث إنه كان الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم ، وفي الآية قول آخر وهو أنه راجع إلى جميع المشركين من ذرية آدم ، وهو قول الحسن وعكرمة ، ومعناه : جعل أولادهما له شركاء ، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم ، كما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تعييرهم بفعل الآباء فقال : { ثم اتخذتم العجل } ، { وإذ قتلتم نفساً } خاطب به اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك الفعل من آبائهم . وقيل : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا ، وقال ابن كيسان : هم الكفار ، سموا أولادهم عبد العزى ، وعبد اللات ، وعبد مناة . وقال عكرمة : خاطب كل واحد من الخلق بقوله { خلقكم } أي خلق كل واحد من أبيه ، { وجعل منها زوجها } ، أي : جعل من جنسها زوجها ، وهذا قول حسن لولا قول السلف مثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وجماعة المفسرين : أنه في آدم وحواء .