المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

135- قل - أيها النبي - لهم مهدِّدا : اعملوا على النحو الذي اخترتموه بكل ما في قدرتكم ، وإني عامل في ناحية الحق ، وستعلمون حتماً من تكون له العاقبة الحسنة في الدار الآخرة ، وهي لأهل الحق لا محالة ، لأنكم ظالمون والله تعالى لم يكتب الفوز للظالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفض يده من هؤلاء المشركين ، وأن يتركهم لأنفسهم . وأن ينذرهم بسوء العاقبة إذا ما ستمروا فى كفرهم فقال - تعالى - { قُلْ يَاقَوْمِ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدار إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } .

أى : قل يا محمد لهؤلاء المصرين على كفرهم اعمولا على غاية تمكنكم من أمركم ، وأقصى استطاعتكم . مصدر مكن - ككرم - مكانة ، إذا تمكن أبلغ التمكن وأقواه ، أو المعنى اعملوا على جهتكم واثبتوا على كفركم وحالتكم التى أنتم عليها من قولهم . مكان ومكانة كمقام ومقامة .

قال الزمخشرى : يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : مكانك يا فلان أى : اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه .

والأمر للتهديد والوعيد ، وإظهار ما هو عليه صلى الله عليه وسلم فى غاية التصلب فى الدين ونهاية الوثوق بأمره ، وعدم المبالاة بأعدائه أصلا .

وقوله { إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أى : إنى عامل على مكانتى ، ثابت على الإسلام لا أتزحزح عن الدعوة إليه ، فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى فى هذه الدنيا .

وقوله : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } بجانب إفادته للإنذار ، فيه إنصاف فى المقال ، وحسن أدب فى الخطاب ، حيث لم يقل - مثلا - العاقبة لنا ، وإنما فوض الأمر إلى الله ، فهو كقوله - تعالى - { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

وفيه تنبيه على وثوق المنذر بأنه على الحق .

قال الجمل - وسوف لتأكيد مضمون الجملة ، وهذه الجملة . تعليل لما قبلها والعلم عرفان ، ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء وخبرها جملة تكون ، وهى مع خبرها فى محل نصب لسدها مسد مفعول تعلمون . أى : فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التى خلق الله هذه الدار لها ، ويجوز أن تكون موصولة فيكون محلها النصب على أنها مفعول لتعلمون . أى : فسوف تعلمون الذى له عاقبة الدار " .

ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } أى : لن يظفروا بمطلوبهم بسبب ظلمهم ، وقيل المراد بالظلم هنا الكفر ، ووضع الظلم موضع الكفر ، إيذاناً بأن امتناع الفلاح يترتب على أى فرد كان من أفراد الظلم ، فما ظنك بالكفر الذى هو أعظم أفراده .

قال ابن كثير ، وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلى الله عليه وسلم فمكن فه فى البلاد ، وحكمه فى نواصى مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب . ، وكل ذلك فى حياته ، ثم فتحت الأقاليم والأمصار بعد وفاته . قال - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

وقوله تعالى : { قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، أي : استمروا على طريقكم{[11245]} وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كما قال تعالى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } [ هود : 121 ، 122 ] .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي : ناحيتكم .

{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } أي : أتكون لي أو لكم . وقد أنجز موعده له ، صلوات الله عليه ، فإنه تعالى مكن له في البلاد ، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب ، وكذلك اليمن والبحرين ، وكل ذلك في حياته . ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه ، رضي الله عنهم أجمعين ، كما قال الله تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [ المجادلة : 20 ] ، وقال { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 51 ، 52 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] ، وقال تعالى إخبارًا عن رسله : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 ، 14 ] ، وقال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } الآية [ النور : 55 ] ، وقد فعل الله [ تعالى ]{[11246]} ذلك بهذه الأمة ، وله الحمد والمنة أولا وآخرًا ، باطنًا وظاهرًا{[11247]} .


[11245]:في د، أ: "طريقتكم".
[11246]:زيادة من م، أ.
[11247]:في م، أ: "وظاهرا وباطنا ".