المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

12- يا أيها الذين آمنوا : ابتعدوا عن كثير من ظن السوء بأهل الخير . إن بعض الظن إثم يستوجب العقوبة ، ولا تتبعوا عورات المسلمين ، ولا يذكر بعضكم بعضاً بما يكره في غيبته . أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً ، فقد كرهتموه ؟ ! فاكرهوا الغيبة فإنها مماثلة له ، وقوا أنفسكم عذاب الله بامتثال ما أمر ، واجتناب ما نهى . إن الله عظيم في قبول توبة التائبين ذو رحمة واسعة بالعالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

ثم وجه - سبحانه - إلى عباده المؤمنين نداء خامسا ، نهاهم فيه عن أن يظن بعضهم ببعض ظنا سيئا بدون مبرر ، كما نهاهم عن التجسس وعن الغيبة ، حتى تبقى للمسلم حرمته وكرامته . . فقال - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا . . } .

وقوله - تعالى - { اجتنبوا } من الاجتناب يقال : اجتنب فلان فلانا إذا ابتعد عنه ، حتى لكأنه فى جانب والآخر فى جانب مقابل .

والمراد بالظن المنهى عنه هنا : الظن السيئ بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان .

قال بعض العلماء ما ملخصه : والظن أنواع : منه ما هو واجب ، ومنه ما هو محرم ، ومنه ما هو مباح .

فالمحرم : كسوء الظن بالمسلم المستور الحال ، الظاهر العدالة ، ففى الحديث الشريف : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث . . " وفى حديث آخر : " إن الله حرم من المسلم ودمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء " .

وقلنا : كسوء الظن بالناس ، إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدى إلى الغير ، وأما إن تظن شرا لتتقيه ، ولا يتعدى أثر ذلك إلى الغير فذلك محمود غير مذموم ، وهو محل ما ورد من أن " من الحزم سوء الظن " .

أى : يا من آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا ، ابتعدوا ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين ، لأن هذه الظنون السيئة التى لا تستند إلى دليل أو أمارة صحيحة إنما هى مجرد تم ، تؤدى إلى تولد الشكوك والمفاسد . . فيما بينكم .

وجاء - سبحانه - بلفظ " كثيرا " منكرا لكى يحتاط المسلم فى ظنونه ، فيبتعد عما هو محرم منها ، ولا يقدم إلا على ما هو واجب أو مباح منها - كما سبق أن أشرنا - .

وقوله - سبحانه - : { إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ } .

أى : إن الكثير من الظنون يؤدى بكم إلى الوقوع فى الذنوب والآثام فابتعدوا عنه .

قال ابن كثير : ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس من غير محله ، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ، فليجتنب كثيرا منه احتياطا . . " عن حارثة بن النعمان : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث لازمات لأمتى : " الطيرة والحسد وسوء الظن " : فقال رجل : ما الذى يذهبن يا رسول الله من هن فيه ؟ قال : " إذا حدست فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فامض " " .

وأخرج البيهقى فى شعب الإِيمان عن سعيد بن المسيب قال : كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ضع أمر أخيك على أحسنه ، ما لم يأتك ما يغلبك ، ولا تظنن يكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها فى الخير محملا ، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه . .

وقوله - سبحانه - : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } أى : خذوا ما ظهر من أحوال الناس ولا بتحثوا عن بواطنهم أو أسرارهم .

أو عوراتهم ومعايبهم ، فإن من تتبع عورات الناس فضحه الله - تعالى - .

فالتجسس مأخوذ من الجس ، وهو البحث عما خفى من أمور الناس ، وقرأ الحس وأبو رجاء : { ولا تحسسوا } من الحس ، وهما بمعنى واحد . وقيل هما متغايران التجسس - بالجيم - معرفة الظاهر ، وأن التحسس - بالحاء - تتبع البواطن وقيل بالعكس . .

وعلى أية حال فالمراد هنا من التجسس والتحسس : النهى عن تتبع عورات المسلمين ، أخرج أبو داود وغيره " عن أبى برزة الأسلمى قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإِيمان قلبه . لا تتبعوا عورات المسلمين ، فإن من تتبع عورات المسلمين ، فضحه الله - تعالى - فى قعر بيته " .

وعن معاوية بن أبى سفيان قال : سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم " .

ثم نهى - سبحانه - بعد ذلك عن الغيبة فقال : { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } والغيبة - بكسر الغين - أن تذكر غيرك فى غيابه بما يسوءه يقال : اغتاب فلان فلانا ، إذا ذكره بسوء فى غيبته ، سواء أكان هذا الذكر بريح اللفظ أم بالكناية ، أم بالإِشارة ، أم بغير ذلك .

روى أبو داود وغيره عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يركه . قيل : أرأيت إن كان فى أخى ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه " .

ثم ساق - سبحانه - تشبيها ينفر من الغيبة أكمل تنفير فقال : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } . والاستفهام للتقرير لأنه من الأمور المسلمة أن كل إنسان يكره أكل لحم أخيه حيا ، فضلا عن أكله ميتا .

والضمير فى قوله : { فَكَرِهْتُمُوهُ } يعود على الأكل المفهوم من قوله { يَأْكُلَ } و { مَيْتاً } حال من اللحم أو من الأخ .

أى : اجتنبوا أن تذكروا غيركم بسوء فى غيبته ، فإن مثل من يغتاب أخاه المسلم كمثل من يأكل لحمه وهو ميت ، ولا شك أن كل عاقل يكره ذكل وينفر منه أشد النفور .

ورحم الله - صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة : قوله - تعالى - : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ . . } تمثيل وتصوير لما يناله المتغاب من عرض غيره على أفظع وجه وأفحشه .

وفيه مبالغات شتى : منها الاستفهام الذى معناه التقرير ، ومنها : جعل ما هو الغاية فى الكراهة موصولا بالمحبة ، ومنها : إسناد الفعل إلى أحدكم ، والإِشعار بأن أحدا من الأحديث لا يحب ذلك ، ومنها : أنه -سبحانه - لم يقتصر على تمثل الاغتياب بأكل لحم الإِنسان ، وإنما جعله أخا ، ومنها : أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ وإنما جعله ميتا .

.

وانتصب " ميتا " على الحال من اللحم أو من الأخ . . وقوله : { فَكَرِهْتُمُوهُ } فيه معنى الشرط . أى : إن صح هذا فقد كرهتموه - فلا تفعلوه - وهى الفاء الفصيحة .

والحق أن المتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها قد نفرت من الغيبة بأبلغ أسلوب وأحكمه ، لأنها من الكبائر والقبائح التى إلى تنزق شمل المسلمين ، وإيقاد نار الكراهية فى الصدور .

قال الآلوسى ما ملخصه : وقد أخرج العلماء أشياء لا يكون لها حكم الغيبة ، وتنحصر فى ستة أسباب :

الأول : التظلم ، إذ من حق المظلوم أن يشكو ظالمه إلى من تتوسم فيه إزالة هذا الظلم .

الثان : الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته .

الثالث : الاستفتاء ، إذ يجوز للمستفتى أن يقول للمفتى : ظلمنى فلان بكذا .

الرابع : تحذير المسلمين من الشر ، كتجريح الشهود والرواة والمتصدين للإِفتاء بغير علم .

الخامس : المجاهرون بالعاصى وبارتكاب المنكرات ، فإنه يجوز ذكرهم بما تجاروا به . .

السادس : التعريف باللقب الذى لا يقصد به الإِساءة كالأعمش والأعرج .

ثم ختم - سبحانه - الاية الكريمة بدعوة المؤمنين إلى التوبة والإِنابة فقال : { واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } . أى : واتقوا - أيها المؤمنون - بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما أمركم - سبحانه - باجتنابه ، إن الله - تعالى - كثير القبول لتوبة عابده ، الذين يتوبون من قريب ، ويرجعون إلى طاعته رجوعا مصحواب بالندم على ما فرط منهم من ذنوب ، ومقرونا بالعزم على عدم العودة إلى تلك الذنوب لا فى الحال ولا فى الاستقبال . ومستوفيا لكل ما تستلزمه التوبة الصادقة من شروط .

وهو - أيضا - واسع الرحمة لعباده المؤمنين ، المستقيمين على أمره .

وبذلك نرى هذه الآية الكريمة قد نهت المسلمين عن رذائل ، يؤدى تركها إلى سعادتهم ونجاحهم ، وفتحت لهم باب التوبة لكى يقلع عنها من وقع فيها . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ، إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ، ولا يغتب بعضكم بعضا . أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ? فكرهتموه . واتقوا الله ، إن الله تواب رحيم ) . .

فأما هذه الآية فتقيم سياجا آخر في هذا المجتمع الفاضل الكريم ، حول حرمات الأشخاص به وكراماتهم وحرياتهم ، بينما هي تعلم الناس كيف ينظفون مشاعرهم وضمائرهم ، في أسلوب مؤثر عجيب . .

وتبدأ - على نسق السورة - بذلك النداء الحبيب : يا أيها الذين آمنوا . . ثم تأمرهم باجتناب كثير من الظن ، فلا يتركوا نفوسهم نهبا لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات وشكوك . وتعلل هذا الأمر : ( إن بعض الظن إثم ) . وما دام النهي منصبا على أكثر الظن ، والقاعدة أن بعض الظن إثم ، فإن إيحاء هذا التعبير للضمير هو اجتناب الظن السيء أصلا ، لأنه لا يدري أي ظنونه تكون إثما !

بهذا يطهر القرآن الضمير من داخله أن يتلوث بالظن السيء ، فيقع في الإثم ؛ ويدعه نقيا بريئا من الهواجس والشكوك ، أبيض يكن لإخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء ؛ والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك ، والطمأنينة التي لا يعكرها القلق والتوقع . وما أروح الحياة في مجتمع بريء من الظنون !

ولكن الأمر لا يقف في الإسلام عند هذا الأفق الكريم الوضيء في تربية الضمائر والقلوب . بل إن هذا النص يقيم مبدأ في التعامل ، وسياجا حول حقوق الناس الذين يعيشون في مجتمعه النظيف ، فلا يؤخذون بظنة ، ولا يحاكمون بريبة ؛ ولا يصبح الظن أساسا لمحاكمتهم . بل لا يصح أن يكون أساسا للتحقيق معهم ، ولا للتحقيق حولهم . والرسول[ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " إذا ظننت فلا تحقق " . . ومعنى هذا أن يظل الناس أبرياء ، مصونة حقوقهم ، وحرياتهم ، واعتبارهم . حتى يتبين بوضوح أنهم ارتكبوا ما يؤاخذون عليه . ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقق من هذا الظن الذي دار حولهم !

فأي مدى من صيانة كرامة الناس وحرياتهم وحقوقهم واعتبارهم ينتهي إليه هذا النص ! وأين أقصى ما تتعاجب به أحسن البلاد ديمقراطية وحرية وصيانة لحقوق الإنسان فيها من هذا المدى الذي هتف به القرآن الكريم للذين آمنوا ، وقام عليه المجتمع الإسلامي فعلا ، وحققه في واقع الحياة ، بعد أن حققه في واقع الضمير ?

ثم يستطرد في ضمانات المجتمع إلى مبدأ آخر يتصل باجتناب الظنون :

( ولا تجسسوا ) . .

والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن ؛ وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات ، والاطلاع على السوءات .

والقرآن يقاوم هذا العمل الدنيء من الناحية الأخلاقية ، لتطهير القلب من مثل هذا الاتجاه اللئيم لتتبع عورات الآخرين وكشف سوآتهم . وتمشيا مع أهدافه في نظافة الأخلاق والقلوب .

ولكن الأمر أبعد من هذا أثرا . فهو مبدأ من مباديء الإسلام الرئيسية في نظامه الاجتماعي ، وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية .

إن للناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور ، ولا أن تمس بحال من الأحوال .

ففي المجتمع الإسلامي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم ، آمنين على بيوتهم ، آمنين على أسرارهم ، آمنين على عوراتهم . ولا يوجد مبرر - مهما يكن - لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات . حتى ذريعة تتبع الجريمة وتحقيقها لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس . فالناس على ظواهرهم ، وليس لأحد أن يتعقب بواطنهم . وليس لأحد أن يأخذهم إلا بما يظهر منهم من مخالفات وجرائم . وليس لأحد أن يظن أو يتوقع ، أو حتى يعرف أنهم يزاولون في الخفاء مخالفة ما ، فيتجسس عليهم ليضبطهم ! وكل ما له عليهم أن يأخذهم بالجريمة عند وقوعها وانكشافها ، مع الضمانات الأخرى التي ينص عليها بالنسبة لكل جريمة .

قال أبو داود : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب . قال : أتى ابن مسعود ، فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا . فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .

وعن مجاهد : لا تجسسوا ، خذوا بما يظهر لكم ، ودعوا ما ستر الله .

وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن دجين كاتب عقبة . قال : قلت لعقبة : إن لنا جيرانا يشربون الخمر ، وأنا داع لهم الشرط ، فيأخذونهم . قال : لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم . قال : ففعل فلم ينتهوا . قال : فجاءه دجين فقال : إني قد نهيتهم فلم ينتهوا . وإني داع لهم الشرط فتأخذهم . فقال له عقبة : ويحك ! لا تفعل ، فإني سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها " .

وقال سفيان الثوري ، عن راشد بن سعد ، عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : سمعت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم " . فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - كلمة سمعها معاوية - رضي الله عنه - من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] نفعه الله تعالى بها .

فهكذا أخذ النص طريقه في النظام العملي للمجتمع الإسلامي ! ولم يعد مجرد تهذيب للضمير وتنظيف للقلب ، بل صار سياجا حول حرمات الناس وحقوقهم وحرياتهم ، فلا تمس من قريب أو بعيد ، تحت أي ذريعة أو ستار .

فأين هذا المدى البعيد ? وأين هذا الأفق السامق ? وأين ما يتعاجب به أشد الأمم ديمقراطية وحرية وحفظا لحقوق الإنسان بعد ألف وأربع مائة عام ?

بعد ذلك يجيء النهي عن الغيبة في تعبير عجيب ، يبدعه القرآن إبداعا :

( ولا يغتب بعضكم بعضا . أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ? فكرهتموه ) . .

لا يغتب بعضكم بعضا . ثم يعرض مشهدا تتأذى له أشد النفوس كثافة وأقل الأرواح حساسية . مشهد الأخ يأكل لحم أخيه . . ميتا . . ! ثم يبادر فيعلن عنهم أنهم كرهوا هذا الفعل المثير للاشمئزاز ، وأنهم إذن كرهوا الاغتياب !

ثم يعقب على كل ما نهاهم عنه في الآية من ظن وتجسس وغيبة باستجاشة شعور التقوى ، والتلويح لمن اقترف من هذا شيئا أن يبادر بالتوبة تطلعا للرحمة :

( واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) . .

ويسري هذا النص في حياة الجماعة المسلمة فيتحول إلى سياج حول كرامة الناس ، وإلى أدب عميق في النفوس والقلوب . ويتشدد فيه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] متمشيا مع الأسلوب القرآني العجيب في إثارة الاشمئزاز والفزع من شبح الغيبة البغيض .

في حديث رواه أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ? قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ? قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " . . [ ورواه الترمذي وصححه ] .

وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني علي بن الأقمر عن أبي حذيفة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] : حسبك من صفية كذا وكذا " قال عن مسدد تعني قصيرة " فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " . قالت : وحكيت له إنسانا . فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : " ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا " . .

وروى أبو داود بإسناده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم . قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ? قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " . .

ولما اعترف ماعز بالزنا هو والغامدية ، ورجمهما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد إقرارهما متطوعين وإلحاحهما عليه في تطهيرهما ، سمع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ! ثم سار النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حتى مر بجيفة حمار ، فقال : " أين فلان وفلان ? انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار " . قالا : غفر الله لك يا رسول الله ! وهل يؤكل هذا ? قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه . والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها " .

وبمثل هذا العلاج الثابت المطرد تطهر المجتمع الإسلامي وارتفع ، وانتهى إلى ما صار إليه : حلما يمشي على الأرض ، ومثلا يتحقق في واقع التاريخ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن . وأن لا يعملوا ولا يتكلموا بحسبه ، لما في ذلك وفي التجسس من التقاطع والتدابر . وحكم على بعضه بأنه { إثم } إذ بعضه ليس بإثم . ولا يلزم اجتنابه وهو ظن الخير بالناس وحسنه بالله تعالى . والمظنون من شهادات الشهود والمظنون به من أهل الشر . فإن ذلك سقوط عدالته وغير ذلك هي من حكم الظن به . وظن الخير بالمؤمن محمود والظن المنهي عنه : هو أن تظن سوءاً برجل ظاهره الصلاح . بل الواجب تنزيل الظن وحكمه وتتأول الخير . وقال بعض الناس : { إثم } معناه : كذب . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث »{[10475]} . وقال بعض الناس . معنى : { إن بعض الظن إثم } أي إذا تكلم الظان أثم . وما لم يتكلم فهو في فسحة . لأنه لا يقدر على دفع الخواطر التي يبيحها قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الحزم سوء الظن »{[10476]} . وذكر النقاش عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال :( احترسوا من الناس بسوء الظن ){[10477]} .

قال القاضي أبو محمد : وما زال أولو العلم يحترسون من سوء الظن ويسدون ذرائعه .

قال سلمان الفارسي : إني لأعد عراق قِدْري{[10478]} مخافة الظن . وذكر النقاش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «احترسوا من الناس بسوء الظن . » وكان أبو العالية يختم على بقية طعامه مخافة سوء الظن بخادمه .

وقال ابن مسعود : الأمانة خير من الخاتم . والخاتم خير من ظن السوء .

وقوله : { ولا تجسسوا } أي لا تبحثوا على مخبآت أمور الناس وادفعوا بالتي هي أحسن . واجتزوا بالظواهر الحسنة .

وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين والهذليون : «لا تحسسوا » بالحاء غير منقوطة . وقال بعض الناس : التجسس بالجيم في الشر . والتحسس بالحاء في الخير . وهكذا ورد القرآن ، ولكن قد يتداخلان في الاستعمال . وقال أبو عمرو بن العلاء : التجسس : ما كان من وراء وراء . والتحسس بالحاء : الدخول والاستعلام . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً »{[10479]} . وذكر الثعلبي حديث حراسة عمرو بن عوف ووجودهما الشرب في بيت ربيعة بن أمية بن خلف . وذكر أيضاً حديثه في ذلك مع أبي محجن الثقفي{[10480]} . وقال زيد بن وهب . قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً ؟ فقال : إنا نهينا عن التحسس . فإن يظهر لنا شيء أخذنا به{[10481]} .

{ ولا يغتب } معناه : ولا يذكر أحدكم من أخيه شيئاً هو فيه يكره سماعه . وروي أن عائشة قالت عن امرأة : ما رأيت أجمل منها إلا أنها قصيرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «اغتبتها ، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرته »{[10482]} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا ذكرت ما في أخيك فقد اغتبته . وإذا ذكرت ما ليس فيه فقد بهته »{[10483]} . وفي حديث آخر : «الغيبة أن تذكر المؤمن بما يكره » . قيل : وإن كان حقاً . قال : «إذا قلت باطلاً فذلك هو البهتان »{[10484]} . وقال معاوية بن قرة وأبو إسحاق السبيعي{[10485]} : إذا مر بك رجل اقطع . فقلت : ذلك الأقطع ، كان ذلك غيب . وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الغيبة أشد من الزنا ، لأن الزاني يتوب فيتوب الله عليه . والذي يغتاب يتوب فلا يتاب عليه حتى يستحل »{[10486]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد يموت من اغتيب ، أو يأبى .

وروي أن رجلاً قال لابن سيرين : إني قد اغتبتك فحللني . فقال له ابن سيرين إني لا أحل ما حرم الله . والغيبة مشتقة من غاب يغيب . وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه . ولم يبح في هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه من تجريح في الشهود وفي التعريف لمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم :

«أما معاوية فصعلوك لا مال له »{[10487]} . وما يقال في الفسقة أيضاً وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منه . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أعن الفاجر ترعون ؟ اذكروا الفاجر بما فيه حتى يعرفه الناس إذا لم تذكروه »{[10488]} ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «بئس ابن العشيرة »{[10489]} . ثم مثل تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم الميت ، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم . فمنه قول الشاعر [ سويد بن أبي كاهل اليشكري ] : [ الرمل ]

فإذا لاقيته عظّمني . . . وإذا يخلو له لحمي رتع{[10490]}

ويروى فيحييني إذا لاقيته .

ومنه قول الآخر : [ المقنع الكندي ] .

وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم . . . وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا{[10491]}

فوقفهم الله تعالى على جهة التوبيخ بقوله : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً } فالجواب عن هذا : لا . وهم في حكم من يقولها . فخوطبوا على أنهم قالوا لا . فقيل لهم : { فكرهتموه } وبعد هذا مقدر تقديره : فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك . وعلى هذا المقدر يعطف قوله : { واتقوا الله } قاله أبو علي الفارسي . وقال الرماني : كراهية هذا اللحم يدعو إليها الطبع . وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل . وهو أحق أن يجاب . لأنه بصير عالم . والطبع أعمى جاهل .

وقرأ الجمهور : «ميْتاً » بسكون الياء . وقرأ نافع وابن القعقاع وشيبة ومجاهد : «ميِّتاً » بكسرها والشد . وقرأ أبو حيوة : «فكُرّهتموه » بضم الكاف وشد الراء .

ورواها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم أعلم بأنه { تواب رحيم } إبقاء منه تعالى وإمهالاً وتمكيناً من التوبة .


[10475]:أخرجه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو جزء من حديث ذكره السيوطي في الدر المنثور، ولفظه كما ذكره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إياكم والظن فغن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك).
[10476]:أخرجه أبو الشيخ في الثواب عن علي، والقضاعي عن عبد الرحمن بن عائذ، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه حديث حسن.
[10477]:أخرجه الطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل، عن أنس رضي الله عنه، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بانه ضعيف.
[10478]:العُراق-بضم العين-: العظم أكل لحمه، وفي بعض النسخ"لا أعد" بدلا من "لأعد".
[10479]:سبق الاستشهاد بالجزء الأول منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، وقد ذكرنا تخريجه في الهامش(1) صفحة(505) من هذا الجزء.
[10480]:حديث حراسة عمر مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"، عن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن ابن عوف، عن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: إنه حرس مع عمر ابن الخطاب ليلة بالمدينةن فبينما هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه، فلما دنوا منه إذ باب مُجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر-وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف-: اتدري بيت من هذا؟ قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟ قال: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله:{ولا تجسسوا} فقد تجسسنا، فانصرف عنهم وتركهم، والشرب: القوم يشربون ويجتمعون على الشراب. وأما حديثه مع أبي محجن الثقفي فقد قال أبو قُلابة: حُدّث عمر بن الخطاب أن أبا مِحجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر رضي الله عنه حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو مِحجن: إن هذا لا يحل لك، قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.
[10481]:أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبو دواد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن زيد بن وهب، وليس في الحديث ذكر لاسم الوليد بن عقبة، بل ذكره السيوطي في الدر المنثور بلفظ"هذا لان تقطر لحيته خمرا"
[10482]:أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة، قال: إن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرجتن فقالت عائشة: يا رسول الله، ما أجملها وأحسنها لولا أن بها قصرا،فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(اغتبتيها يا عائشة)، فقالت: يا رسول الله، إنما قلت شيئا هو بها، قال:(يا عائشة، إذا غيبة، وإذا قلت ما ليس بها فقد بهتها)،(الدر المنثور).
[10483]:أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: يا رسول الله، أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.(الدر المنثور). والبهتان هو القذف بالباطل.
[10484]:أخرج عبد بن حميد، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"عن عبد المطلب بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الغيبة أن تذكر المرء بما فيه)، قال: إنما كنا نرى أن نذكره بما ليس فيه، قال:(ذاك البهتان).
[10485]:معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري، ثقة، عالم، مات سنة ثلاث عشرة ومائة، وهو ابن ست وسبعين سنة، وأبو إسحق السبيعي هو عمر بن عبد الله الهمداني، والسبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء، مكثر، ثقة، عابد، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك، (تقريب التهذيب).
[10486]:أخرجه ابن مردويه، والبيهقي، عن أبي سعيد، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (الدر المنثور). ومعنى (يستحل): يسأله أن يُحله من أمره ويصفح عنه.
[10487]:أخرجه مسلم في الرضاع والطلاق، وأبو داود في الطلاق، والترمذي والنسائي في النكاح، ومالك في الطلاق، وأحمد في مسنده(6-412)، ولفظه كما جاء في صحيح مسلم، عن أبي بكر بن الجهم بن صُخير العدوي، قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: إن زوجها طلقها ثلاثا، فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سُكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حللت فآذنيني، فآذنته، فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضرّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد، فقالت بيدها هكذا:أسامة أسامة؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك، قالت: فتزوجته فاغتبطت. ومعنى ترب: فقير.
[10488]:أخرجه البيهقي-وضعفه- من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده.(ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور).
[10489]:أخرجه البخاري وأبو داود في الأدب، ومسلم في البر، ومالك في حسن الخلق، وأحمد في المسند(6-38، 80، 158، 173) ولفظه كما جاء في مسند أحمد، عن عروة ابن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، وقال مرة رجل، فلما دخل عليه ألان له القول، فلما خرج قالت له عائشة: قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول؟ فقال:(أي عائشة، شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فُحشه).
[10490]:الشاعر هو سويد بن أبي كاهل، من بني يشكر، شاعر مخضرم، عاش في الجاهلية طويلا، وعمر في الإسلام ستين سنة، وبيته هذا من قصيدة له تعتبر من أغلى الشعر وأنفسه، وهي المفضلية رقم40، قال الأصمعي عنها:"كانت العرب تفضلها وتقدمها وتعدها من حِكمها، وكانت في الجاهلية تسميها اليتيمة لما اشتملت عليه من الأمثال، قال في مطلعها: بسطت رابعة الحبل لنا فوصلنا الحبل منها ما اتسع ورواية البيت في المُفضليات، وفي الشعر والشعراء، "ويحييني إذا لاقيته"وفي اللسان: "وحبيب لي إذا لاقيته"، وكان الحجاج قد تمثل يوم روستقباذ على المنبر بابيات من قصيدة سويد هذه، منها هذا البيتن ومعنى رتع: أكل، والرتع في الأصل هو الأكل في الخصب.
[10491]:هذا البيت للمقنع الكِندي، واسمه محمد بن عمير، كان من أجمل الناس وجها، وأمدهم قامة، فكان إذا كشف عن وجهه أصيب بالعين، فكان يتقنع دهره، فسمي بالمقنع، والبيت ضمن أبيات يقولها في قومه، ومنها: لا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وليسوا إلى نصري سِراعا وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا والبيت هنا شاهد على أن العرب تستعمل أكل اللحم في مكان الغيبة، فالمعنى هنا: إذا هم اغتابوني وذكروني في غيبتي بما أكره فلست أفعل مثلهم، بل أصون أعراضهم ولا أتناول حدا منهم بسوء.