الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } [ 12 ] .

أي : تجنبوا أن تظنوا بالمؤمنين شرا ، فإن الظن غير محق ، وإنما قال : " كثيرا " ولم يقل : اجتنبوا الظن كله ؛ لأن الظن قد يكون في الخير فتظن بأخيك المؤمن خيرا ، وذلك حسن ، فلو قال : اجتنبوا الظن كله يمنع أن {[64431]} يظن الإنسان بأخيه خيرا ، ولذلك قال : إن بعض الظن ، إثم ، أي : إن ظنك بأخيك المؤمن الشر لا الخير إثم لأن الله عز وجل {[64432]} قد نهاك عنه .

روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والظن فإنه أكذب الحديث فلا ينبغي لأحد أن يظن شرا {[64433]} بمن ظاهره حسن ، ولا بأس أن نظن شرا بمن ظاهره قبيح " {[64434]} .

قال مجاهد : خذوا ما ظهر واتركوا ما ستره الله عز وجل {[64435]} {[64436]} .

ثم قال : { ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا } .

أي : ولا يتبع بعضكم عورة بعض ، فيبحث عن سرائره ليطلع على عيوبه . قال ابن عباس : نهى الله عز وجل {[64437]} المؤمن أن يتبع عورات {[64438]} المؤمن {[64439]} .

قال مجاهد : ولا تجسسوا : خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستره الله وهو معنى قول قتادة {[64440]} .

والتجسس والتحسس ( سواء في اللغة {[64441]} ) {[64442]} .

وقوله : { ولا يغتب بعضكم بعضا } .

أي : لا يقل {[64443]} بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره أن يقال له في وجهه ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم {[64444]} عن الغيبة فقال : " هو أن تقول لأخيك ما فيه ، فإن كنت صادقا فقد اغتبته ، وإن كنت كاذبا فقد {[64445]} بهته " {[64446]} .

قال مسروق : إذا ذكرت الرجل بأسوأ {[64447]} ما فيه فقد اغتبته ، وإن ذكرته بما ليس فيه فقد بهته {[64448]} .

قال الحسن : الغيبة أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه من مساوئ أعماله ، فإذا ذكرت بما ليس فيه فذلك البهتان {[64449]} .

قال ابن سرين : إن علمت أن أخاك يكره أن تقول ما أشر سواد شعره ثم قلته من ورائه فقد اغتبته {[64450]} .

وقالت عائشة رضي الله عنه : قلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم {[64451]} في امرأة : ما أطول ذراعها ، فقال : قد اغتبتها فاستحلي منها {[64452]} .

وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم {[64453]} قال : " الغيبة أشد من الزنا {[64454]} لأن الرجل يزني فيتوب الله عليه ، [ والرجل يغتاب الرجل فيتوب ، فلا يتاب عليه حتى يستحله ] " {[64455]} {[64456]} .

ثم قال : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } .

أي : أنتم تحبون أن تأكلوا لحم الميتة ، وتكرهونه فكذلك {[64457]} يجب/أن تكرهوا الغيبة للحي فإن الله حرم غيبة المؤمن حيا كما حرم أكل لحمه ميتا {[64458]} .

قال ابن عباس : معناه كما أنت كاره أكل لحم الميتة المدودة فاكره غيبة أخيك كذلك ، فأكل الميتة حرام في الشريعة {[64459]} مكروه في النفوس مستقذر فضرب الله مثلا للغيبة ، فجعل المغتاب كآكل لحم/الميتة .

والعرب تقول : ألحمتك فلانا : أي : أمكنتك من عرضه {[64460]} .

وقوله : { فكرهتموه } .

[ أتى {[64461]} ] بالماضي على تقدير فقد كرهتموه {[64462]} ، ففيه معنى الأمر ، ودل على ذلك قوله : { واتقوا الله } عطف عليه وهو أمر .

وقال الكسائي : فكرهتموه معناه : فينبغي أن تكرهوه .

قال المبرد : معناه فكرهتم أن تأكلوه .

ثم قال : { واتقوا الله إن الله تواب رحيم } .

أي : وخافوا الله أن تقدموا على فعل ما نهاكم عنه من {[64463]} الظن السوء وتتبع عورات {[64464]} المسلم والتجسس على ما خفي عنك باغتياب {[64465]} أخيك المسلم وغير ذلك مما نهاك عنه ، إن الله تواب على من تاب إليه : أي : رجع إليه ، رحيم به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها .


[64431]:ع: "لمنع لن": وهو تحريف.
[64432]:ساقط من ع.
[64433]:ساقط من ع.
[64434]:أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن 7/89، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظن والتحسسن والتنافس والتناجش ونحوها 16/119، ومالك في الموطأ من كتاب حسن الخلق، باب: ما جاء في المهاجرة 2/754، وأبو داود في كتاب الأدب، باب: في الظن 4/280، وأخرجه الترمذي في باب: ما جاء في ظن السوء 3/241 (رقم 2055). والبغوي في شرح السنة، باب: ما لا يجوز من الظن والنهي عن التحاسد والتجسس 13/109.
[64435]:ساقط من ع.
[64436]:انظر: تفسير مجاهد 612، وجامع البيان 26/86.
[64437]:ساقط من ع.
[64438]:ع: "عورة".
[64439]:انظر : جامع البيان 26/86، والدر المنثور 7/567.
[64440]:انظر: تفسير مجاهد 612، وجامع البيان 26/86.
[64441]:ع: "في اللغة سواء".
[64442]:جاء في اللسان مادة جسس 1/459: تجسس الخبر: بحث عنه قال اللحيائي: تجسست فلانا ومن فلان بحثت عنه كتحسست وتجسست الخبر وتحسسته بمعنى واحد (...) وقيل: "التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره وبالحاء أن يطلبه لنفسه، وقيل بالجيم البحث عن العورات والحاء الاستماع، وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار". وراجع التاج نفس المادة 4/119.
[64443]:ع : "يقول": وهو لحن.
[64444]:ع: "عليه السلام".
[64445]:ساقط من ع.
[64446]:أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: تحريم الغيبة 16/142، ومالك في الموطأ 2/826، وأبو داود (حديث رقم 4874) والترمذي في أبواب البر والصلة 3/220. والدارمي 2/239، والبغوي في شرح السنة، باب: تحريم الغيبة 13/138.
[64447]:ع: "بالسوء": وهو تحريف.
[64448]:انظر: جامع البيان 26/86.
[64449]:انظر: تفسير القرطبي 16/335.
[64450]:انظر: جامع البيان 26/86 -87، وإعراب النحاس 4/215، والدر المنثور 7/571.
[64451]:ع: "عليه السلام".
[64452]:أخرجه أبو داود- كتاب: الأدب (حديث 4875) عن عائشة في صفية، بلفظ مغاير وهو في نفس المعنى. وانظر: جامع البيان 26/87، والبحر المحيط 8/114.
[64453]:ع: "عليه السلام".
[64454]:ع: "الزنى".
[64455]:ساقط من ح.
[64456]:ذكره الهندي في كنز العمال 3/586 (رقم 8026) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في دم الغيبة، والديلمي في مسند الفردوس 3/116 رقم (4320). والمنذري في الترغيب والترهيب 3/511، والهيثمي في مجمع الزوائد كتاب الأدب والأخلاق 8/94، وأبو حيان في البحر المحيط 8/1147، والسيوطي في الدر المنثور 7/576.
[64457]:ع: "فذيك": وهو تحريف.
[64458]:ح: "مية": وهو تحريف.
[64459]:ع: "فالشريعة".
[64460]:انظر: اللسان 3/352، والتاج مادة "لحم" 9/56.
[64461]:ح، ع: "أنا": وهو خطأ.
[64462]:ع: "فقد ذكرتموه": وهو تحريف.
[64463]:ع: "ومن".
[64464]:ع: "عورة".
[64465]:ع: "واغتاب": وهو تحريف.