المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ سَيَجۡزِيهِمۡ وَصۡفَهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (139)

139- ومن أوهام هؤلاء المشركين أنهم يقولون : ما في بطون الأنعام التي جعلوها ممنوعة لا تذبح ولا تركب ، ما في بطونها من أجِنَّة خالص للذكور من الرجال ، ويُحْرَم منه النساء ، ومع ذلك إذا نزل ميتاً فهم شركاء فيه ، يأكلون منه ، سيجزيهم الله تعالى على كذبهم الذي وصفوا به فعلهم ، إذ ادَّعَوْا أن هذا التحريم من عند الله تعالى ، وإن الله عليم بكل شيء ، حكيمٌ ، كل أفعاله على مقتضى الحكمة وهو يجزي الآثمين بإثمهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ سَيَجۡزِيهِمۡ وَصۡفَهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (139)

ثم يحكى القرآن الرذيلة الرابعة من رذائلهم وملخصها : أنهم زعموا أن الأجنة التى فى بطون هذه الأنعام المحرمة ، ما ولد منها حياً فهو حلال للرجال ومحرم على النساء ، وما ولد ميتاً اشترك فى أكله الرجال والنساء .

استمع إلى القرآن وهو يفضح زعمهم هذا فيقول : { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } ومرادهم بما فى بطون هذه الأنعام أجنة البحائر والسوائب .

أى : ومن فنون كفرهم أنهم قالوا ما فى بطون هذه الأنعام المحرمة إذا نزل منها حياً فأكله حلال للرجال دون النساء ، وإذا نزل ميتاً فأكله حلالا للرجال والنساء على السواء .

وفى رواية العوفى عن ابن عباس أن المراد بما فى بطونها اللبن ، فقد كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذاولدت ذكراً ذبحوه ، وكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح ، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء .

قال بعضهم : " ومن مباحث اللفظ فى الآية أن قوله " خالصة " فيه وجوه :

أحدها : أن التاء قيد للمبالغة فى الوصف كراوية وداهية فلا يقال إنه غير مطابق للمبتدأ على القول بأنه خبر .

وثانيا : أن المبتدأ وهو { مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام } مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، لأن المراد به الأجنة فيجوز تذكير خبره باعتبار اللفظ وتأنيثه باعتبار المعنى .

وثالثها : أنه مصدر فتكون العبارة مثل قولهم : عطاؤك عافية والمطر رحمة والرخصة نعمة .

ورابعها : أنه مصدر مؤكد أو حال من المستكن فى الظرف وخبر المبتدأ { لِّذُكُورِنَا } .

وقوله : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } تهديد لهم أى : سيجزيهم بما هم أهله من العذاب المهين جزاء وصفهم أو بسبب وصفهم الكذب على الله فى أمر التحليل والتحريم على سبيل التحكم والتهجم بالباطل على شرعه . إنه - سبحانه - حكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه ، عليم بأعمال عباده من خير أو شر وسيجازيهم عليها .

قال الآلوسى : ونصب { وَصْفَهُمْ } - على ما ذهب إليه الزجاج - لوقوعه موقع مصدر { سَيَجْزِيهِمْ } فالكلام على تقدير مضاف . أى : جزاء وصفهم . وقيل : التقدير . سيجزيهم العقاب بوصفهم أى : بسببه فلما سقطت الباء نصب وصفهم .

ثم قال : وهذا كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه ، فإنهم يقولون ، كلامه يصف الكذب إذا كذب ، وعينه تصف السحر ، أى ساحرة ، وقد يصف الرشاقة ، بمعنى رشيق . مبالغة ، حتى كأن من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له " .

وإلى هنا تكون الآيات الأربعة التى بدأت بقوله - تعالى - { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً } . . . إلخ . قد قصت علينا أربع رذائل من أفعال المشركين وأقوالهم .

وإن العاقل ليعجب وهو يستعرض هذه الضلالات - التى حكتها الآيات . يعجب لما تحملوه فى سبيل ضلالاتهم من أعباء مادية وخسائر وتضحيات ، يعجب للعقيدة الفاسدة وكيف تكلف أصحابها الكثير ومع ذلك فهم مصرون على اعتناقها ، وعلى التقيد بأغلالها ، وأوهامها ، وتبعاتها .

لكأن القرآن وهو يحكى تلك الرذائل وما تحمله أصحابها فى سبيلها يقول لأتباعه - من بين ما يقول - إذا كان أصحاب العقائد الفاسدة قد ضحوا حتى بقلذات أكبادهم إرضاء لشركائهم . . . فأولى بكم ثم أولى أن تضحوا فى سبيل عقيدتكم الصحيحة ، وملتكم الحنيفية السمحاء بالأنفس والأموال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ سَيَجۡزِيهِمۡ وَصۡفَهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (139)

136

( وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء . سيجزيهم وصفهم ، إنه حكيم عليم ) . .

لقد استطردوا في أوهام التصورات والتصرفات ، النابعة من انحرافات الشرك والوثنية ، ومن ترك أمر التحليل والتحريم للرجال ؛ مع الادعاء بأن ما يشرعه الرجال هو الذي شرعه الله . استطردوا في هذه الأوهام فقالوا عن الأجنة التي في بطون بعض الأنعام - ولعلها تلك المسماة البحيرة والسائبة والوصيلة - إنها خالصة للذكور منهم حين تنتج ، محرمة على الإناث ، إلا أن تكون ميتة فيشارك فيها الإناث الذكور . . هكذا بلا سبب ولا دليل ولا تعليل ، إلا أهواء الرجال التي يصوغون منها دينا غامضاً ملتبسا في الأفهام .

ويعقب السياق القرآني تعقيب التهديد ؛ لمن صاغوا هذه الشرائع وكذبوا على الله فوصفوها بأنها من شرع الله :

( سيجزيهم وصفهم ) . .

( إنه حكيم عليم ) . .

يعلم حقائق الأحوال ، ويتصرف فيها بحكمة ، لا كما يتصرف هؤلاء المشركون الجهال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ سَيَجۡزِيهِمۡ وَصۡفَهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (139)

هذه الآية تتضمن تعديد مذاهبهم الفاسدة ، وكانت سنتهم في بعض الأنعام أن يحرموا ما ولدت على نسائهم ويخصصونه لذكورهم ، والهاء في { خالصة } قيل هي للمبالغة كما هي في رواية غيرها{[5115]} ، وهذا كما تقول فلان خالصتي ، وإن كان باب هاء المبالغة أن يلحق بناء مبالغة كعلامة ونسابة وبصيرة ونحوه ، وقيل هي لتأنيث الأنعام إذ ما في بطونها أنعام أيضاً{[5116]} ، وقيل هي على تأنيث لفظ { ما } لأن { ما } واقعة في هذا الموضع موقع قولك جماعة وجملة{[5117]} ، وقرأ جمهور القراء والناس «خالصةٌ » بالرفع ، وقرأ عبد الله بن مسعود وابن جبير وابن أبي عبلة والأعمش «خالصٌُ » دون هاء ورفع هاتين القراءتين على خبر الابتداء .

وقرأ ابن عباس بخلاف{[5118]} والأعرج وقتادة وسفيان بن حسين «خالصةً » بالنصب ، وقرأ سعيد بن جبير فيما ذكر أبو الفتح «خالصاً » ونصب هاتين القراءتين على أن الحال من الضمير الذي في قوله { في بطون } ، وذلك على تقدير الكلام : وقالوا : ما استقر هو في بطون هذه الأنعام فحذف الفعل وحمل المجرور الضمير ، والحال من الضمير والعامل فيها معنى الاستقرار ، قال أبو الفتح ويصح أن يكون حالاً من { ما } على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها ، وقرأ ابن عباس أيضاً وأبو حيوة والزهري «خالصه » بإضافة «خالص » إلى ضمير يعود على { ما } ، ومعناه ما خلص وخرج حياً ، والخبر على قراءة من نصب «خالصة » في قوله { لذكورنا } والمعنى المراد بما في قوله { ما في بطون } قال السدي : هي الأجنة ، وقال ابن عباس وقتادة والشعبي : هو اللبن ، قال الطبري واللفظ يعمهما ، وقوله { ومحرم } يدل على أن الهاء في { خالصة } للمبالغة ، ولو كانت لتأنيث لقال ومحرمة ، و { أزواجنا } يريد به جماعة النساء التي هي معدة أن تكون أزواجاً ، قال مجاهد ، وحكى الطبري عن ابن زيد أن المراد ب { أزواجنا } البنات .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يبعد تحليقه على المعنى ، وقوله { إن يكن ميتة } كان من سنتهم أن ما خرج من الأجنة ميتاً من تلك الأنعام الموقوفة فهو حلال للرجال والنساء جميعاً وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها ، وقرأ ابن كثير «وإن يكن » بالياء «ميتةٌ » بالرفع فلم يلحق الفعل علامة التأنيث لما كان تأنيث الفاعل المسند إليه غير حقيقي ، والمعنى وإن وقع ميتة أو حدث ميتة ، وقرأ ابن عامر «وإن تكن » بالتاء «ميتةٌ » بالرفع فألحق الفعل علامة التأنيث لما كان الفاعل في اللفظ مؤنثاً ، وأسند الفعل إلى الميتة كما فعل ابن كثير ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه «تكن » بالتاء «ميتةً » بالنصب فأنث وإن كان المتقدم مذكراً لأنه حمله على المعنى .

قال القاضي أبو محمد : فالتقدير وإن تكن النسمة أو نحوها ميتة ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «يكن » بالياء «ميتةً » بالنصب ، فذكروا الفعل لأنهم أسندوه إلى ضميرما تقدم من قوله { ما في بطون هذه الأنعام } وهو مذكر ، وانتصبت الميتة على الخبر ، قال أبو عمرو بن العلاء ويقوي هذه القراءة قوله { فهم فيه } ولم يقل فيها{[5119]} ، وقرأ يزيد بن القعقاع «وإن تكن ميّتة » بالتشديد ، وقرأ عبد الله بن مسعود «فهم فيه سواء » ثم أعقب تعالى بوعيدهم على ما وصفوا أنه من القربات إلى الله تعالى وشرعوه من الباطل والإفك{[5120]} { إنه حكيم } أي في عذابهم على ذلك { عليم } بقليل ما تقوّلوه من ذلك وكثيره .


[5115]:- وعلى هذا يكون معنى خالص وخالصة واحد لا فرق إلى أن الهاء للمبالغة، قاله الكسائي.
[5116]:- هذا جواب عن اعتراض رد على قول من قال: تأنيثها-أي خالصة- لتأنيث الأنعام، وهو قول الفراء، فقال جماعة: هذا خطأ لأن ما في بطونها ليس منها ولهذا فهو لا يشبه قوله تعالى: {يلتقطه بعض السيارة} لأن بعض السيارة سيارة. والجواب عن ذلك: هذا لا يلزم الفراء لأن ما في بطون الأنعام أنعام مثلها فأنّث لتأنيثها. وهذا هو سر تعبير ابن عطية بهذه الجملة.
[5117]:- وقيل: إن (ما) يرجع إلى الألبان أو الأجنة، فجاء التأنيث على المعنى والتذكير على اللفظ، ولهذا قال: {ومحرم على أزواجنا} على اللفظ، ولو راعى المعنى لقال: ومحرّمة، ويعضد هذا قراءة الأعمش وغيره، [خالص] بغير هاء.
[5118]:- أي أن هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما موضع خلاف، وانظر بعد ذلك قراءته المروية عنه بالإضافة.
[5119]:- قال أبو حيان: "وهذا ليس بجيد لأن الميتة لكل ميّت ذكرا كان أو أنثى فكأنه قيل: "وإن يكن ميتا فهم فيه شركاء". (البحر المحيط 4/ 233).
[5120]:- جاء هذا الوعيد في قوله تعالى: {سيجزيهم وصفهم} أي: كذبهم وافتراءهم، وانتصب (وصفهم) بنزع الخافض، إذ المعنى: سيجزيهم بوصفهم، والله أعلم.