المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

3- وبعثه في آخرين منهم . لم يجيئوا بعد وسيجيئون ، وهو - وحده - الغالب على كل شيء . ذو الحكمة البالغة في كل أفعاله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

ثم بين - سبحانه - أن رسالة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - لن يكون نفعها مقصورا على المعاصرين له والذين شاهدوه . . . بل سيعم نفعها من سيجيئون من بعدهم ، فقال - تعالى - : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم . . } .

وقوله : { وَآخَرِينَ } جمع آخر بمعنى الغير ، والجملة معطوفة على قوله قبل ذلك { فِي الأميين . . } فيكون المعنى :

هو - سبحانه - الذى بعث فى الأميين رسولا منهم ، كما بعثه فى آخرين منهم .

{ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أى : لم يجيئوا بعد ، وهم كل من يأتى بعد الصحابة من أهل الإسلام إلى يوم القيامة ، بدليل قوله - تعالى - : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ . . . } أى : وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة ، ولأنذر به جميع من بلغه هذا الكتاب ، ووصلت إليه دعوته من العرب وغيرهم إلى يوم القيامة . . .

وفى الحديث الشريف : " بلغوا عن الله - تعالى - فمن بلغته آية من كتاب الله ، فقد بلغه أمر الله " .

وعن محمد بن كعب قال : من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - .

ويصح أن يكون قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ . . } معطوف على الضمير المنصوب فى قوله : { وَيُعَلِّمُهُمُ . . } فيكون المعنى :

هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويعلم آخرين منهم { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أى : لم يجيئوا بعد وسيجيئون . . . وهم كل من آمن بالرسول من بعد الصحابة إلى يوم القيامة .

قال صاحب الكشاف : وقوله : { وَآخَرِينَ } مجرور عطف على الأميين يعنى : أنه بعثه فى الأميين الذين على عهده ، وفى آخرين من الأميين الذين لم يلحقوا بهم بعد ، وسيلحقون بهم ، وهم الذين بعد الصحابة . .

وقيل : لما نزلت قيل : " من هم يا رسول الله ، فوضع يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من هؤلاء " " .

وقيل : هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم القيامة .

ويجوز أن ينتصب عطفا عل المنصوب فى { وَيُعَلِّمُهُمُ } أى يعلمهم ويعلم آخرين ، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندا إلى أوله ، فكأنه هو الذى تولى كل ما وجد منه .

. .

والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها تشير ‘لى أن دعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - ستبلغ غير المعاصرين له - صلى الله عليه وسلم - وأنهم سيتبعونها ، ويؤمنون بها ، ويدافعون عنها . .

وهذا ما أيده الواقع ، فقد دخل الناس فى دين الله أفواجا من العرب ومن غير العرب ، ومن أهل المشارق والمغارب .

فالآية الكريمة تخبر عن معجزة من معجزات القرآن الكريم ، ألا وهى الإخبار عن أمور مستقبلة أيدها الواقع المشاهد .

وقوله - تعالى - : { وَهُوَ العزيز الحكيم } تذييل المقصود به بيان أن قدرته - تعالى - لا يعجزها شىء ، وأن حكمته هى أسمى الحكم وأسدها .

أى : وهو - سبحانه - العزيز الذى لا يغلب قدرته شىء ، الحكيم فيما يريده ويقدره ويوجده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، وهو العزيز الحكيم ) . .

وهؤلاء الآخرون وردت فيهم روايات متعددة . .

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " كنا جلوسا عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين لما يلحقوا بهم )قالوا : من هم يا رسول الله ? فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يده على سلمان الفارسي ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " . فهذا يشير إلى أن هذا النص يشمل أهل فارس . ولهذا قال مجاهد في هذه الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من غير العرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي . قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) . . يعني بقية من بقي من أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] .

وكلا القولين يدخل في مدلول الآية . فهي تدل على آخرين غير العرب . وعلى آخرين غير الجيل الذي نزل فيه القرآن . وتشير إلى أن هذه الأمة موصولة الحلقات ممتدة في شعاب الأرض وفي شعاب الزمان ، تحمل هذه الأمانة الكبرى ، وتقوم على دين الله الأخير .

( وهو العزيز الحكيم ) . . القوي القادر على الاختيار . الحكيم العليم بمواضع الاختيار . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

واختلف الناس في المعنيين بقوله : { وآخرين } من هم ؟ فقال أبو هريرة وغيره : أراد فارساً ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الآخرون ؟ فأخذ بيد سلمان وقال : «لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء » . أخرجه مسلم{[11090]} . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : أراد الروم والعجم ، فقوله تعالى : { منهم } على هذين القولين : إنما يريد في البشرية والإيمان كأنه قال : وفي آخرين من الناس : وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : أراد التابعين من أبناء العرب{[11091]} ، فقوله : { منهم } يريد به النسب والإيمان ، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وابن حبان : أراد بقوله : { وآخرين } جميع طوائف الناس ، ويكون منهم في البشرية والإيمان على ما قلناه وذلك أنا نجد بعثه عليه السلام إلى جميع الخلائق ، وقال ابن عمر لأهل اليمن : أنتم هم ، وقوله تعالى : { لما يلحقوا } نفي لما قرب من الحال ، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي «لم » زيدت عليها «ما » تأكيداً . قال سيبويه «لما » نفي قولك قد فعل ، و «لن » قولك فعل دون قد .


[11090]:راجع الهامش رقم (1) صفحة (438).
[11091]:روى ابن أبي حاتم عن سهل الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب، ثم تلا:{وآخرين لما يلحقوا بهم}، قال الإمام القرطبي: والقول الأول أثبت.