ثم بين - سبحانه - مظاهر هذا الفضل فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } والضمير للأنواع الثلاثة .
أى : هؤلاء الظالمون لأنفسهم والمقتصدون والسابقون بالخيرات ، ندخلهم بفضلنا ورحمتنا ، الجنات الدائمة التى يخلدون فيها خلوداً أبدياً .
يقال : عدن فلان بالمكان ، إذا أقام به إقامة دائمة .
{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أى أنهم يدخلون الجنات دخولاً دائماً ، وهم فى تلك الجنات يتزينون بأجمل الزينات ، وبأفخر الملابس ، حيث يلبسون فى أيديهم أساور من ذهب ولؤلؤا ، أما ثيابهم فهى من الحرير الخالص .
جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير . وقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . إن ربنا لغفور شكور . الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) . .
إن المشهد يتكشف عن نعيم مادي ملموس ، ونعيم نفسي محسوس . فهم ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) . . وذلك بعض المتاع ذي المظهر المادي ، الذي يلبي بعض رغائب النفوس . وبجانبه ذلك الرضا وذلك الأمن وذلك الاطمئنان :
يخبر تعالى أن مأوى هؤلاء المصطفين من عباده ، الذين أورثوا الكتاب المنزل من رب العالمين يوم القيامة { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي : جنات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على ربهم ، عز وجل ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } ، كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبلغ الحلية{[24569]} من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " . {[24570]}
{ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا ، فأباحه الله لهم في الدار الآخرة ، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " . وقال : " [ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ]{[24571]} هي لهم في الدنيا ولكم{[24572]} في الآخرة " .
وقال{[24573]} ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن سواد السَّرْحي ، أخبرنا ابن وهب ، عن ابن لَهِيعَة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ أن أبا أمامة حدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم ، وذكر حلي أهل الجنة فقال : " مسورون بالذهب والفضة ، مُكَلَّلة بالدّر ، وعليهم أكاليل من دُرّ وياقوت متواصلة ، وعليهم تاج كتاج الملوك ، شباب جُرْدٌ مُردٌ مكحَّلُون " . {[24574]}
القول في تأويل قوله تعالى : { جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُواْ الْحَمْدُ للّهِ الّذِيَ أَذْهَبَ عَنّا الْحَزَنَ إِنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } .
يقول تعالى ذكره : بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب ، الذين اصطفينا من عبادنا يوم القيامة يُحَلّوْنَ فِيها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ يلبسون في جنات عدن أسورة من ذهب وَلُؤْلُؤا وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ يقول : ولباسهم في الجنة حرير .
الأظهر أنه بدل اشتمال من قوله : { ذلك هو الفضل الكبير } [ فاطر : 32 ] فإن مما يشتمل عليه الفضل دخولهم الجنة كما علمت وتخصيص هذا الفضل من بين أصنافه لأنه أعظم الفضل لأنه أمارة على رضوان الله عنهم حين إدخالهم الجنة ، { ورضوانٌ من الله أكبر } [ التوبة : 72 ] .
ويجوز أن يكون استئنافاً بيانياً لبيان الفضل الكبير وقد بيّن بأعظم أصنافه . والمعنى واحد .
وضمير الجماعة في { يدخلونها } راجع إلى { الذين اصطفينا } [ فاطر : 32 ] المقسم إلى ثلاثة أقسام : ظالممٍ ، ومقتصدٍ ، وسابققٍ ، أي هؤلاء كلهم يدخلون الجنة لأن المؤمنين كلهم مآلهم الجنة كما دلت عليه الأخبار التي تكاثرت . وقد روى الترمذي بسند فيه مجهولان عن أبي سعيد الخدري « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } [ فاطر : 32 ] قال : " هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة " . قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قال أبو بكر بن العربي في « العارضة » : من الناس من قال : إن هذه الأصناف الثلاثة هم الذين في سورة الواقعة ( 8 10 ) : { أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون } وهذا فاسد لأن أصحاب المشأمة في النار الحامية ، وأصحاب سورة فاطر في جنة عالية لأن الله ذكرهم بين فاتحة وخاتمة فأما الفاتحة فهي قوله : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } [ فاطر : 32 ] فجعلهم مصطفَيْن . ثم قال في آخرهم { جنات عدن يدخلونها } [ فاطر : 33 ] ولا يصطفَى إلا من يدخل الجنة ، ولكن أهل الجنة ظالم لنفسه فقال : { فمنهم ظالم لنفسه } [ فاطر : 32 ] وهو العاصي والظالم المطلق هو الكافر ، وقيل عنه : الظالم لنفسه رفقاً به ، وقيل للآخر : السابق بإذن الله إنباء أن ذلك بنعمة الله وفضله لا من حال العبد ا ه .
وفي الإِخبار بالمسند الفعلي عن المسنْد إليه إفادة تقوي الحكم وصوَغ الفعل بصيغة المضارع لأنه مستقبل ، وكذلك صوغ { يحلون } وهو خبر ثانٍ عن { جنات عدن } . وتقدم نظيرها في سورة الحج فانظره .
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر { ولؤلؤاً } بالنصب عطفاً على محل { أساور } لأنه لما جر بحرف الجر الزائد كان في موضع نصب على المفعول الثاني لفعل { يحلون } فجاز في المعطوف أن ينصب على مراعاة محل المعطوف عليه . وقرأه الباقون بالجر على مراعاة اللفظ ، وهما وجهان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.