قوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } وحمل هذا القائل الاصطفاء على أن الاصْطِفَاء في الخِلقة وإرسال الرسول إليهم وأنزل{[45386]} الكتاب . والذي عليه عامة أهل العلم أن المراد من جميعهم{[45387]} المُؤْمِنُونَ .
معنى سابق بالخيرات أي الجنة وإلى رحمة الله بالخيرات أي بالأعمال الصالحة بإذن الله أي بأمر الله وإرادته «ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبيرُ » يعني إيراثهم الكتابَ ، ثم أخبر بثوابهم فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } يعني الأصناف الثلاثة .
قوله : «جنات عدن » يجوز أن يكون مبتدأ والجملة بعدها الخبر{[45388]} ، وأن يكون بدلاً من{[45389]} «الفَضْلُ » قال الزمخشري{[45390]} وابن عيطة{[45391]} إلاَّ أنَّ الزمخشري اعترض وأجاب فقال : فإن قلت : فكيف جعلت «جنات عدن » بدلاً من «الفضل » الذي هو السبق بالخيرات ( المشار{[45392]} إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب ) فأبدل{[45393]} عنه «جنات عدن » وقرأ زِرّ{[45394]} والزّهري جَنَّةٌ{[45395]} مفرداً والجَحْدَريُّ جناتِ بالنصب على الاشتغال{[45396]} وهي تؤيد رفعها بالابتداء{[45397]} وجوز أبو البقاء أن كون «جنات » بالرفع خبراً ثانياً لاسم الإشارة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف{[45398]} وتقدمت قراءة يَدْخُلُونَهَا للفاعل أو المفعول وباقي الآية في الحَجِّ{[45399]} .
قيل : المراد بالداخلين الأقسام الثلاثة . وهذا على قولنا بأنهم أقسام المؤمنين . وقيل : الذين يتلون كتاب الله وقيل : هم السابقون وهو أقوى لقرب ذكرهم ولأنه ذكر إكرامهم بقوله : { يُحَلَّوْنَ } والمكرم هو السابق{[45400]} .
فإن قيل : تقديم الفاعل على الفعل وتأخير المفعول عنه موافق لترتيب المعنى إذا كان المفعول حقيقياً كقولنا : اللَّهُ الِّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وقول القائل : زَيْدٌ بَنَى الجِدَارَ ، فإن الله موجود قبل كل شيء ثم له فعل هو الخلق ثم حصل به المفعول وهو السّموات وكذا زيد ثم البناء ثم الجدار من البناء وإذا لم يكن المفعول حقيقياً كقولنا : دخل الداخلُ الدار ، وضرب عمراً فإن «الدار » في الحقيقة ليس مفعولاً للداخل وإنما فعله متحقق بالنسبة إلى الدار وكذلك عمرو فعل ( من أفعال ){[45401]} زيد تعلق به فسمي مفعولاً ولكن الأصل تقديم الفعل على المفعول ولهذا يعاد الفعلُ المقدّم بالضمير تقول : عَمْراً ضَرَبَهُ زَيْدٌ فتوقعه بعد الفعل بالهاء العائدة إليه وحينئذ يطول الكلام فلا يختاره الحكيم إلا لفائدة{[45402]} فما الفائدة في تقديم «الجنات » على الفعل الذي هو الدخول وإعادة{[45403]} ذكرها بالهاء في «يدخلونها » وما الفرق بين هذا و «بَيْنَ »{[45404]} قول القائل : يَدْخُلُونَ جَنَّاتِ عَدْنٍ ؟
فالجواب : أن السامعَ إذا علم له مدخلاً من المداخل وله دخول ولم يعلم غير المدخل فإذا قيل له : أنت تَدْخُلُ مال إلى{[45405]} أن يسمع الدار والسوق فيبقى متعلق القلب بأنه في أي المداخل يكون . فإذا قيل : «الدّارَ تَدْخُلُهَا » فيذكر الدار يعلم مدخله وبما عنده من العلم السابق بأنه له دخولاً يعلم الدخول فلا يبقى متعلق{[45406]} القلب ولا سيما الجنة والنار فإن بين المُدْخَلِين بوناً بعيداً .
قوله : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } إشارة إلى سرعة الدخول فإن التحلية لو وقعت خارجاً لكان فيه تأخير المدخول{[45407]} فقال : { يَدْحُلُونَها } وفيها يقع تَحْلِيَتُهُمْ ، وقوله : «مِنْ أَسَاورَ » بجمع الجمع فإنه جمع «أسْوِرَة » وهي جمع «سِوَار » «مِنْ ذَهَبٍ ولُؤلؤاً » وقوله : { وَلِبَاسُهُمْ } أي ليس كذلك لأن الإكثار من اللباس يدل على حاجة مَنْ دفع برد أو غيره والإكثار من الزينة لا يدل ( إلا ){[45408]} على الغِنَى ، وذكر الأساور من بين سائر الحُلِيِّ في مواضع كثيرةٍ كقوله تعالى : { وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } [ الإنسان : 21 ] وذلك لأن التحلي بمعنيّيْن{[45409]} :
أحدهما : إظهار كون المتحلّي غير مبتذل في الأشْغال{[45410]} لأن التحَلِّي لا يكون ( حَالُهُ ){[45411]} حَالَةَ{[45412]} الطبخِ والغُسْلِ .
وثانيهما : إظهار الاستغناء عن الأشياء وإظهار القدرة على الأشياء لأن التحلي إما باللآلِئَ والجواهر وإما بالذهب والفضة والتحلِّي بالجواهر واللآلىء يدل على أن المُتَحَلِّي لا يعجز عن الوصول إلى الأشياء الكثيرة عند الحاجة حيث لم يعجز عن الوصول إلى الأشياء العزيزة الوجود لا لحاجة والتحلِّي بالذهب والفضة يدل على أنه غير محتاج{[45413]} حاجة أصلية وإلا لصرف الذهب والفضة إلى دفع حاجَتِهِ{[45414]} وإذا عرف هذا فنقول : الأساوِرُ محلّها الأيدي وأكثر الأعمال باليد فإذا حليت بالأساور عُلِمَ الفراغُ من الأعمال{[45415]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.