الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (33)

فإن قلت : فكيف جعلت { جنات عَدْنٍ } بدلاً من الفضل الكبير ، الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب ، نزل منزلة المسبب ، كأنه هو الثواب ، فأبدلت عنه جنات عدن ، وفي اختصاص السابقين بعد التقسيم بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر ، فليحذر المقتصد ، وذلك الظالم لنفسه حذراً وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله ، ولا يغترا بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " فإنّ شرط ذلك صحة التوبة لقوله تعالى : { عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 102 ] وقوله : { إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 106 ] ولقد نطق القرآن ذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخدع . وقرىء : «سباق » ومعنى : { بِإِذُنِ الله } بتيسيره وتوفيقه .

فإن قلت : لم قدم الظالم ؟ ثم المقتصد ثم السابق ؟ قلت : للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم ، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقلّ من القليل . وقرىء : «جنة عدن » على الإفراد ، كأنها جنة مختصة بالسابقين . وجنات عدن : بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر ، أي يدخلون جنات عدن يدخولنها ، ويدخلونها ، على البناء للمفعول . ويحلون : من حليت : المرأة ، فهي حال { وَلُؤْلُؤاً } معطوف على محل من أساور ، ومن داخلة للتبعيض ، أي : يحلون بعض أساور من ذهب ، كأنه بعض سابق لسائر الابعاض ، كما سبق المسوّرون به غيرهم . وقيل : إنّ ذلك الذهب في صفاء اللؤلؤ .

وقرىء : «ولولؤاً » بتخفيف الهمزة الأولى .