المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

يقسم الله في هذه السورة بثمرتين مباركتين ، ومكانين طيبين على أنه خلق الإنسان في أعدل صورة ، مكملا بالعقل والإرادة إلى غير ذلك من صفات الكمال ، ثم ذكرت الآيات أن الإنسان لم يقم بمقتضى خلقته ، فنزلت درجته إلى أسفل سافلين ، إلا من آمن وعمل الصالحات فقد مد له في العطاء ، ثم اتجهت السورة منكرة على من كذب بالبعث بعد ظهور أدلة قدرته وأنباء حكمته .

1- أقسم بالتين والزيتون لبركتهما وعظيم منفعتهما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة التين

مقدمة وتمهيد

1- وتسمى –أيضا- سورة " والتين " وعدد آياتها ثماني آيات ، والصحيح أنها مكية .

وقد روي ذلك عن ابن عباس وغيره ، ويؤيد كونها مكية ، القسم بمكة في قوله –تعالى- : [ وهذا البلد الأمين ] ، وعن قتادة أنها مدنية ، وهو قول لا دليل عليه .

وكان نزولها بعد سورة " البروج " ، وقبل سورة " لإيلاف قريش " .

وقد اشتملت هذه السورة الكريمة ، على التنبيه بأن الله –تعالى- قد خلق الإنسان في أحسن تقويم ، فعليه أن يكون شاكرا لخالقه ، مخلصا له العبادة والطاعة .

اتفق المفسرون على أن المراد بطور سينين : الجبل الذى كلم الله - تعالى - عليه موسى - عليه السلام - وسينين ، وسيناء ، وسينا ، اسم للبقعة التى فيها هذا الجبل ، بإضافة " طور " إلى ما بعده ، من إضافة الموصوف إلى الصفة .

قال الإِمام الشوكانى : " وطور سينين " هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى ، اسمه الطور . ومعنى سينين : المبارك الحسن . . وقال مجاهد : سينين كل جبل فيه شجر مثمر ، فهو سينين وسيناء . وقال الأخفش : طور : جبل . وسينين شجر ، واحدته سينه ، ولم ينصرف سينين كما لم ينصرف سيناء ، لأنه جعل اسما للبقعة .

وأقسم - سبحانه - به ، لأنه من البقاع المباركة ، وأعظم بركة حلت به ووقعت فيه ، تكليم الله - تعالى - ، لنبيه موسى - عليه السلام - .

كما اتفقوا - أيضا - على أن المراد بالبلد الأمين : مكة المكرمة ، وسمى بالأمين لأن من دخله كان آمنا ، وقد حرمها - تعالى - على جميع خلقه ، وحرم شجرها وحيوانها ، وفى الحديث الصحيح ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد فتحتها : " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فلا يُعْضَد - أي : يقطع - شجرها - ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد .

إلا أن خلافهم فى المراد بقوله - تعالى - : { والتين والزيتون } ، وقد ذكر الإِمام القرطبى هذا الخلاف فقال ما ملخصه : قوله : { والتين والزيتون } : قال ابن عباس وغيره : هو تينكم الذى تأكلون ، وزيتونكم الذى تعصرون منه الزيت . قال - تعالى - : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } وهى شجرة الزيتون .

وقال أبو ذر : " أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم سلة تين ، فقال : " كلوا " وأكل منها . ثم قال : " لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة ، لقلت هذه . . " " .

وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة " .

وقال الإِمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال من المقصود بالتين والزيتون : والصواب من القول فى ذلك عندنا قول من قال : التين : هو التين الذى يؤكل . والزيتون : هو الزيتون الذى يعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون . إلا أن يقول قائل : المراد من الكلام القسم بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك ، دلالة فى ظاهر التنزيل .

وما ذهب إليه الإِمامان : ابن جرير والقرطبى ، من أن المراد بالتين والزيتون ، حقيقتهما ، هو الذى نميل إليه ، لأنه هو الظاهر من معنى اللفظ ، ولأنه ليس هناك من ضرورة تحمل على مخالفته ، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، فهو صاحب الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التين مكية وآياتها ثمان

الحقيقة الرئيسية التي تعرضها هذه السورة هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها ، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان ، والوصول بها معه إلى كمالها المقدور لها . وهبوط الإنسان وسفوله حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان .

ويقسم الله - سبحانه - على هذه الحقيقة بالتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ، وهذا القسم على ما عهدنا في كثير من سور هذا الجزء - هو الإطار الذي تعرض فيه تلك الحقيقة . وقد رأينا في السور المماثلة أن الإطار يتناسق مع الحقيقة التي تعرض فيه تناسقا دقيقا .

وطور سينين هو الطور الذي نودي موسى - عليه السلام - من جانبه . والبلد الأمين هو مكة بيت الله الحرام . . وعلاقتهما بأمر الدين والإيمان واضحة . . فأما التين والزيتون فلا يتضح فيهما هذا الظل فيما يبدو لنا .

وقد كثرت الأقوال المأثورة في التين والزيتون . . قيل : إن التين إشارة إلى طور تينا بجوار دمشق .

وقيل : هو إشارة إلى شجرة التين التي راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة التي كانا فيها قبل هبوطهما إلى هذه الحياة الدنيا . وقيل : هو منبت التين في الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح - عليه السلام .

وقيل في الزيتون : إنه إشارة إلى طور زيتا في بيت المقدس . وقيل : هو إشارة إلى بيت المقدس نفسه . وقيل : هو إشارة إلى غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح عليه السلام - من السفينة - لترتاد حالة الطوفان . فلما عادت ومعها هذا الغصن عرف أن الأرض انكشفت وأنبتت !

وقيل : بل التين والزيتون هما هذان الأكلان الذان نعرفهما بحقيقتهما . وليس هناك رمز لشيء وراءهما . .

أو أنهما هما رمز لمنبتهما من الأرض . . .

وشجرة الزيتون إشير إليها في القرآن في موضع آخر بجوار الطور : فقال : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) . . كما ورد ذكر الزيتون : ( وزيتونا ونخلا ) . . فأما " التين " فذكره يرد في هذا الموضع لأول مرة وللمرة الوحيدة في القرآن كله .

ومن ثم فإننا لا نملك أن نجزم بشيء في هذا الأمر . وكل ما نملك أن نقوله - اعتمادا على نظائر هذا الإطار في السور القرآنية - : إن الأقرب أن يكون ذكر التين والزيتون إشارة إلى أماكن أو ذكريات ذات علاقة بالدين والإيمان . أو ذات علاقة بنشأة الإنسان في أحسن تقويم [ وربما كان ذلك في الجنة التي بدأ فيها حياته ] . . كي تلتئم هذه الإشارة مع الحقيقة الرئيسية البارزة في السورة ؛ ويتناسق الإطار مع الحقيقة الموضوعة في داخله . على طريقة القرآن . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة والتين والزيتون

وهي مكية .

قال مالك وشعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سَفَر في إحدى الركعتين بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه . أخرجه الجماعة في كتبهم{[1]} .

اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل : المراد بالتين مسجد دمشق . وقيل : هي نفسها . وقيل : الجبل الذي عندها .

وقال القرطبي : هو مسجد أصحاب الكهف{[30230]} .

وروى العوفي ، عن ابن عباس : أنه مسجد نوح الذي على الجودي .

وقال مجاهد : هو تينكم هذا .

{ وَالزَّيْتُونِ } قال كعب الأحبار ، وقتادة ، وابن زيد ، وغيرهم : هو مسجد بيت المقدس .

وقال مجاهد ، وعكرمة : هو هذا الزيتون الذي تعصرون .

/خ3


[1]:زيادة من أ.
[30230]:- (2) تفسير القرطبي (20/111) عن محمد بن كعب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِيَ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ فقال بعضهم : عُنِي بالتين : التين الذي يؤكل ، والزيتون : الزيتون الذي يُعْصر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قول الله : والتّينِ والزّيْتُونِ قال : تينكم هذا الذي يؤكل ، وزيتونكم هذا الذي يُعصر .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت الحكم يحدّث ، عن عكرِمة ، قال : التين : هو التين ، والزيتون : الذي تأكلون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ( وَالتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : تينكم وزيتونكم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة عن قوله : ( وَالتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : التين تينكم هذا ، والزيتون : زيتونكم هذا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( وَالتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : التين الذي يُؤكل ، والزيتون : الذي يعصر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، جميعا عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ ) قال : الفاكهة التي تأكل الناس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سلام بن سليم ، عن خَصِيف ، عن مجاهد ( َالتّينِ وَالزّيْتُونِ ) قال : هو تينكم وزيتونكم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وَالتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : التين الذي يؤكل ، والزيتون الذي يُعصر .

حدثنا بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبيّ ( ولتّينِ والزّيْتُونِ ) هو الذي ترون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال الحسن ، في قوله : ( وَالتّينِ والزّيْتُونِ ) : التين تينكم ، والزيتون زيتونكم هذا .

وقال آخرون : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : بيت المقدس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا رَوْح ، قال : حدثنا عوف ، عن يزيد أبي عبد الله ، عن كعب أنه قال في قول الله : ( والتّينِ والزّيْتُونِ )قال : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : بيت المقدس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( والتّينِ ) قال : الجبل الذي عليه دمشق ( والزّيْتُونِ ) : الذي عليه بيت المقدس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( والتّينِ والزّيْتُونِ ) ذُكر لنا أن التين الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون : الذي عليه بيت المقدس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله : ( والتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : التين : مسجد دمشق ، والزيتون ، مسجد إيلياء .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر ، عن عكِرمة ( والتّينِ والزّيْتُونِ ) قال : هم جبلان .

وقال آخرون : التين : مسجد نوح ، والزيتون : مسجد بيت المقدس . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والتّينِ والزّيْتُونِ ) يعني مجسد نوح الذي بني على الجُودِيّ ، والزيتون : بيت المقدس ، قال : ويقال : التين والزيتون وطور سينين : ثلاثة مساجد بالشام .

والصواب من القول في ذلك عندنا : قول من قال : التين : هو التين الذي يُؤكل ، والزيتون : هو الزيتون الذي يُعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يُعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون ، إلاّ أن يقول قائل : أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالتين والزيتون . والمراد من الكلام : القسمَ بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك ، دلالة في ظاهر التنزيل ، ولا من قول من لا يجوّز خلافه ، لأن دمشق بها منابت التين ، وبيت المقدس منابت الزيتون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

سميت في معظم كتب التفسير ومعظم المصاحف { سورة والتين } بإثبات الواو تسمية بأول كلمة فيها . وسماها بعض المفسرين { سورة التين } بدون الواو لأن فيها لفظ { التين } كما قالوا { سورة البقرة } وبذلك عنونها الترمذي وبعض المصاحف .

وهي مكية عند أكثر العلماء قال ابن عطية : ل أعرف في ذلك خلافا بين المفسرين ، ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور المختلف فيها . وذكر القرطبي عن قتادة أنها مدنية ، ونسب أيضا إلى ابن عباس ، والصحيح عن ابن عباس أنه قال : هي مكية .

وعدت الثامنة والعشرين في ترتيب نزول السور ، نزلت بعد سورة البروج وقبل سورة الإيلاف .

وعدد آياتها ثمان .

أغراضها

احتوت هذه السورة على التنبيه بأن الله خلق الإنسان على الفطرة المستقيمة ليعلموا أن الإسلام هو الفطرة كما قال في الآية الأخرى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } وأن ما يخالف أصوله بالأصالة أو بالتحريف فساد وضلال ، ومتبعي ما يخالف الإسلام أهل ضلالة .

والتعريض بالوعيد للمكذبين بالإسلام .

والإشارة بالأمور المقسم بها إلى أطوار الشرائع الأربعة إيماء إلى أن الإسلام جاء مصدقا لها وأنها مشاركة أصولها لأصول دين الإسلام .

والتنويه بحسن جزاء الذين اتبعوا الإسلام في أصوله وفروعه .

وشملت الامتنان على الإنسان بخلقه على أحسن نظام في جثمانه ونفسه .

ابتداء الكلام بالقَسَم المؤكد يؤذن بأهمية الغرض المسوق له الكلام ، وإطالةُ القَسَم تشويق إلى المُقْسَم عليه .

والتينُ ظاهره الثمرة المشهورة بهذا الاسم ، وهي ثمرة يشبه شكلها شكل الكمثرى ذات قشر لونه أزرق إلى السواد ، تتفاوت أصنافه في قُتومَة قِشره ، سهلة التقشير تحتوي على مثل وعاء أبيضَ في وسطه عَسل طيّبٌ الرائحة مخلوط ببزور دقيقة مثل السِمسم الصغير ، وهي من أحسن الثمار صورة وطعماً وسهولة مضغ فحالتُها دالة على دقة صنع الله ومؤذنة بعلمه وقدرته ، فالقسم بها لأجل دلالتها على صفات إلهية كما يقسم بالاسم لدلالته على الذات ، مع الإِيذان بالمنة على الناس إذ خلَق لهم هذه الفاكهة التي تنبت في كل البلاد والتي هي سهلة النبات لا تحتاج إلى كثرة عمل وعلاج .

والزيتونُ أيضاً ظاهره الثمرة المشهورة ذاتُ الزيت الذي يُعتصر منها فيطعمه الناس ويستصبحُون به . والقَسَم بها كالقَسَم بالتين من حيث إنها دالّة على صفات الله ، مع الإِشارة إلى نعمة خلق هذه الثمرة النافعة الصالحة التي تكفي الناس حوائج طعامهم وإضاءتهم .

وعلى ظاهر الاسمين للتِّين والزيتون حملهما جمع من المفسرين الأوَّلين ابنُ عباس ومجاهد والحسن وعكرمةُ والنخعي وعطاء وجابر بن زيد ومقاتِل والكلبي وذلك لما في هاتين الثمرتين من المنافع للناس المقتضية الامتنان عليهم بأن خلقها الله لهم ، ولكن مناسبة ذكر هذَيْن مع { طور سنين } ومع { البلد الأمين } تقتضي أن يكون لهما محمل أوفق بالمناسبة فروي عن ابن عباس أيضاً تفسير التين بأنه مَسجد نوح الذي بني على الجُودي بعد الطوفان . ولعل تسمية هذا الجبل التين لكثرته فيه إذ قد تسمى الأرض باسم ما يكثر فيها من الشجر كقول امرىء القيس :

أَمَرْخٌ ديارُهم أم عُشَرْ

وسمي بالتين موضع جاء في شعر النابغة يصف سحابَات بقوله

صُهْب الظِّلال أتَيْنَ التينَ في عُرُضٍ *** يَزجين غَيماً قَليلاً ماؤُه شَبِما

والزيتون يطلق على الجبل الذي بُني عليه المسجد الأقصى لأنه ينبت الزيتون . وروي هذا عن ابن عباس والضحاك وعبد الرحمن بن زيد وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب القرظِي . ويجوز عندي أن يكون القَسَم ب { التين والزيتون } معنياً بهما شجر هاتين الثمرتين ، أي اكتسب نوعاهما شرفاً من بين الأشجار يكون كثير منه نابتاً في هذين المكانين المقدسين كما قال جرير :

أتذكرُ حين تصقِل عارضَيْها *** بفرع بشامة سُقي البشام{[455]}

فدعا لنوع البشام بالسّقي لأجل عود بَشَامَةَ الحَبِيبة .


[455]:- وفي رواية التبريزي في شرح الحماسة: أتنسى إذ توعدنا سليمى بعود ... الخ ص 50 ج 1.