فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التين

هي ثماني آيات ، وهي مكية في قول الجمهور ، وروى القرطبي عن ابن عباس أنها مدنية ، ويخالف هذه الرواية ما أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : أنزلت سورة التين بمكة ، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن البراء بن عازب " قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فصلى العشاء فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا ولا قراءة منه " .

وعنه قال : " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب فقرأ بالتين " أخرجه الخطيب ، وعن عبد الله بن يزيد نحوه عند الطبراني وابن شيبة .

وعن زرعة بن خليفة قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة فعرض علينا الإسلام فأسلمنا فلما صلينا الغداة قرأ بالتين والزيتون وإنا أنزلناه في ليلة القدر " وأخرجه ابن قانع وابن الساكن والشيرازي في الألقاب .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والتين } قال أكثر المفسرين : هو التين الذي يأكله الناس ، وإنما أقسم بالتين لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التنغيص ، وفيها أعظم عبرة لدلالتها على من هيأها لذلك وجعلها على مقدار اللقمة .

قال كثير من أهل الطب : إن التين أنفع الفواكه للبدن وأكثرها غذاء ، وذكروا له فوائد كما في كتب المفردات والمركبات وهو غذاء ودواء .

أما كونه غذاء فالأطباء زعموا أنه طعام لطيف سريع الهضم ، لا يمكث في المعدة ، يلين الطبع ، ويخرج بطريق الرشح ، ويقلل البلغم ، ويطهر الكليتين ، ويزيل ما في المثانة من الرمل ، ويسمن البدن ، ويفتح مسام الكبد وسدده والطحال ، ويقطع البواسير ، ويزيل نكهة الفم ، ويطول الشعر ، وهو أمان من الفالج .

وأما كونه دواء فلأنه سبب في إخراج فضلات البدن ، وهو مأكول الظاهر والباطن دون غيره كالجوز والتمر .

والتين في النوم رجل غير جبار ، ومن نالها في المنام نال مالا ، ومن أكلها مناما رزقه الله أولادا . وتستر آدم بورق التين حين فارق الجنة ، ويشبه فواكه الجنة لأنه بلا عجم وفاكهة طيبة لا فضل له ينفع من النقرس .

وقال الضحاك : التين المسجد الحرام ، وقيل : مسجد أصحاب الكهف . وقال ابن زيد : مسجد دمشق . وقال قتادة : التين الجبل الذي عليه دمشق . وقال عكرمة وكعب الأحبار : التين دمشق . وعن ابن عباس قال : التين بلاد الشام ، وفي سنده مجهول . وعنه قال : مسجد نوح الذي بني على الجودي . وعنه قال : الفاكهة التي يأكلها الناس .

{ والزيتون } وهو الذي يعصرون منه الزيت الذي هو إدام غالب البلدان ودهنهم ، ويدخل في كثير من الأدوية . وقال الضحاك : المسجد الأقصى . وقال عكرمة وكعب الأحبار : بيت المقدس ، وعن ابن عباس قال : بلاد فلسطين ، وفي سنده مجهول ، وقال أيضا : بيت المقدس .

وليت شعري ما الحامل لهؤلاء الأئمة على العدول عن المعنى الحقيقي في اللغة العربية والعدول إلى هذه التفسيرات البعيدة عن المعنى ، المبينة على خيالات لا ترجع إلى عقل ونقل ، وأعجب من هذا اختيار ابن جرير للآخر منها مع طول باعه في علم الرواية والدراية ، قال الفراء : سمعت رجلا يقول : التين جبال حلوان إلى همدان ، والزيتون جبال الشام .

قلت : هب إنك سمعت هذا الرجل فكان ماذا ، فليس بمثل هذا تثبت اللغة ، ولا هو نقل عن الشارع .

وقال محمد بن كعب : الزيتون مسجد إيليا ، وقيل : إنه على حذف مضاف أي ومنابت التين والزيتون . قال النحاس لا دليل على هذا من ظاهر التنزيل ولا من قول من لا يجوز خلافه .

قال الرازي : أما الزيتون فهو فاكهة من وجه ودواء من وجه ، ويستصبح به ، ومن رأى ورق الزيتون في المنام استمسك بالعروة الوثقى .