غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة التين وهي مكية حروفها مائة وثلاثة ، كلمها تسع وعشرون ، آياتها ثمان ) .

التفسير : إن التين والزيتون كيف أقسم الله بهما من بين سائر المخلوقات الشريفة ؟ للمفسرين فيه قولان :

فعن ابن عباس : هو تينكم وزيتونكم هذان من خواص التين أنه غذاء فاكهة ودواء لأنه طعام لطيف سريع الهضم ما بين الطبع ، ويخرج بطريق الرشح ، ويقلل البلغم ، ويطهر الكليتين ، ويزيل ما في المثانة من الرمل ، ويسمن البدن ، ويفتح مسام الكبد والطحال . وروي أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه : " كلوا فلو قلت : إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت : هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوه فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس " . وعن علي بن موسى الرضا رضي الله عنه : التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر ، وهو أمان من الفالج . ومن خواصه أن ظاهره كباطنه ماله قشر ولا نواة له ، وأنها شجرة تظهر المعنى قبل الدعوى تأتي بالثمرة ثم بالنور خلاف المشمش واللوز . ونحوهما ، وسائر الأشجار كأرباب المعاملات في قوله صلى الله عليه وسلم : " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " لأنها تلبس نفسها أولاً بورد أو ورق ثم تظهر ثمرتها ، وشجرة التين كالمصطفى صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بغيره ثم يبدأ بنفسه ، كما قال { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } [ الحشر :9 ] وإنها تعود ثمرتها في العام مرة أخرى ، وإنها في المنام رجل خير وغنى فمن رآها نال خيراً وسعة ، ومن أكلها رزقه الله أولاداً . ويروى أن آدم عليه السلام تستر بورقها حين نزع عنه ثيابه فلما نزل وكان مستوراً بورق التين استوحش فطاف الظباء حوله فاستأنس بها فأطعهما بعض ورق التين فرزقها الله الجمال والملاحة صورة ، والمسك وطيبة معنى ، وحين تفرقت الظباء ورأى غيرهن منها ما أعجبها جاءت من الغد على أثرهن فأطعمها من الورق فغير الله حالها إلى الجمال والملاحة دون طيب المسك ، وذلك أن الطائفة الأولى جاءت إلى آدم لا لأجل الطمع ، والطائفة الثانية جاءت للطمع سراً وإلى آدم ظاهراً ، فلا جرم غير ظاهرها دون باطنها . وأما الزيتون فإنه من الشجرة المباركة وهو فاكهة من وجه ودواء من وجه كما تقدم وصفه في سورة النوّر . قال مريض لابن سيرين : رأيت في المنام كأنه قيل لي كل اللاءين تشفى فقال : كل الزيتون فإنه لا شرقية ولا غربية . وقيل : من أخذ ورق الزيتون في النوم استمسك بالعروة والوثقى . فهذه المصالح والمنافع هي التي جوزت الإقسام بهما .

القول الثاني : إنه ليس المراد بهما هذه الثمرة ثم اختلفوا . فعن ابن عباس في رواية : هما جبلان في الأرض المقدسة يقال لهما طور تينا وطور زيتا لأنهما منبتا التين والزيتون . وهما منشأ عيسى ومبعثه ومبعث أكثر أنبياء بني إسرائيل ، كما أن طور سينين مبعث موسى ، والبلد الأمين مبعث محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن زيد : التين مسجد دمشق ، والزيتون مسجد بيت المقدس . وقيل : التين مسجد الكهف ، والزيتون مسجد إيليا . وعن ابن عباس أيضاً : التين مسجد نوح على الجودي ، والزيتون مسجد بيت المقدس . وعن كعب : أن التين دمشق ، والزيتون بيت المقدس . وعن شهر بن حوشب : التين الكوفة والزيتون الشام . وعن الربيع : هما جبلان من بين همذان وحلوان .

/خ7