{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ } - أيها الرسل { الأرض } أى أرضهم { مِن بَعْدِهِمْ } أى من بعد إهلاكهم واستئصال شأفتهم .
قال الآلوسى ما ملخصه : " وأوحى هنا يحتمل أن يكون بمعنى فعل الإِيحاء فلا مفعول له " .
وقوله { لنهكن } على إضمار القول ، أى : قائلاً لنلهكن ، ويحتمل أن يكون جارياً مجرى القول لكونه ضرباً منه ، وقوله { لنهلكن } مفعوله . . .
وخص - سبحانه - الظالمين من الذين كفروا ، لأنه من الجائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا تلك المقالة أناس معينون ، فالتوعد لإِهلاك من خلص للظلم " .
وأكد - سبحانه - إهلاك الظالمين وإسكان الرسل أرضهم ، بلا القسم ونون التوكيد . . زيادة فى إدخال السرور على نفوس الرسل ، وفى تثبيت قلوبهم على الحق ، ورداً على أولئك الظالمين الذين أقسموا بأن يخرجوا الرسل من ديارهم ، أو يعودوا إلى ملتهم .
قال صاحب الكشاف : " والمراد بالأرض فى قوله { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ } أرض الظالمين وديارهم ، ونحوه : { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } وعن النبى - صلى الله عليه وسلم - " من آذى جاره ورثه الله داره " .
ثم قال : ولقد عاينت هذا فى مدة قريبة ، كان لى خال يظلمه عظيم القرية التى أنا منها ويؤذينى فيه ، فمات ذلك العظيم وملكنى الله ضيعته ، فنظرت يوماً إلى أبناء خالى يترددون فيها ، ويدخلون فى دورها ويخرجون ويأمرون وينهون ، فذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وحدثتهم به ، وسجدنا شكراً لله " .
واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } يعود إلى ما قضى الله به من إهلاك الظالمين ، وتمكين الرسل وأتباعهم من أرضهم .
أى : ذلك الذى قضيت به كائن لمن خاف قيامى عليه ، ومراقبتى له ، ومكان وقوفه بين يدى للحساب ، وخاف وعيدى بالعذاب لمن عصانى .
قال الجمل : " ومقامى فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مقحم - وهو بعيد إذ الأسماء لا تقحم ، أى ذلك لمن خافنى - الثانى : أنه مصدر مضاف للفاعل .
قال الفراء : مقامى مصدر مضاف لفاعله ، أى قيامى عليه بالحفظ . الثالث : أنه اسم مكان ، قال الزجاج : مكان وقوفه بين يدى الحساب " .
( ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) .
لا محاباة ولا جزافا ، إنما هي السنة الجارية العادلة :
( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) .
ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خاف مقامي ، فلم يتطاول ولم يتعال ولم يستكبر ولم يتجبر . وخاف وعيد ، فحسب حسابه ، واتقى أسبابه ، فلم يفسد في الأرض ، ولم يظلم في الناس . فهو من ثم يستحق الاستخلاف ، ويناله باستحقاق .
وقوله : وَلَنُسْكِنَنّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا وعد من الله مَن وَعَد من أنبيائه النصر على الكفرة به من قومه ، يقول : لما تمادت أمم الرسل في الكفر ، وتوعّدوا رسلهم بالوقوع بهم ، أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم من أممهم ووعدهم النصر . وكلّ ذلك كان من الله وعيدا وتهديدا لمشركي قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على كفرهم به وجراءتهم على نبيه ، وتثبيتا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمرا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه ، كما صبر من كان قبله من أولي العز من رسله ، ومعرّفَهُ أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم ، سُنّةَ اللّهِ في الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَنُسْكنَنّكُمْ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ قال : وعدهم النصر في الدنيا ، والجنة في الاَخرة .
وقوله : ذلكَ لِمَنْ خافَ مَقامي وَخافَ وَعِيدِ يقول جلّ ثناؤه : هكذا فِعْلى لمن خاف مقامه بين يديّ ، وخاف وعيدي فاتقاني بطاعته وتجنب سخطي ، أنصره على من أراد به سوءا وبغاه مكروها من أعدائي ، أُهلك عدوّه وأخزيه وأورثه أرضه ودياره . وقال : لِمَنْ خافَ مَقامي ومعناه ما قلت من أنه لمن خاف مقامه بين يديّ بحيث أقيمه هنالك للحساب ، كمَا قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ معناه : وتجعلون رزقي إياكم أنكم تكذبون ، وذلك أن العرب تضيف أفعالها إلى أنفسها ، وإلى ما أوقعت عليه ، فتقول : قد سررت برؤيتك وبرؤيتي إياك ، فكذلك ذلك . )
والخطاب في { لنسكننكم } للرسل والذين آمنوا بهم ، فلا يقتضي أن يسكن الرسول بأرض عدوه بل يكفي أن يكون له السلطان عليها وأن يسكنها المؤمنون ، كما مكن الله لرسوله مكة وأرض الحجاز وأسكنها الذين آمنوا بعد فتحها .
{ ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ } .
{ ذلك } إشارة إلى المذكور من الإهلاك والإسكان المأخوذين من { لنهلكن } ، و { لنسكننكم } . عاد إليهما اسم الإشارة بالإفراد بتأويل المذكور ، كقوله : { ومن يفعل ذلك يلق آثاماً } [ سورة الفرقان : 68 ] .
واللام للملك ، أي ذلك عطاء وتمليك لمن خاف مقامي ، كقوله تعالى : ذلك لمن خشي ربه [ سورة البينة : 8 ] .
والمعنى : ذلك الوعد لمن خاف مقامي ، أي ذلك لكم لأنكم خفتم مقامي ، فعدل عن ضمير الخطاب إلى { من خاف مقامي } لدلالة الموصول على الإيماء إلى أن الصلة علة في حصول تلك العطية .
ومعنى { خاف مقامي } خافني ، فلفظ { مقام } مقحم للمبالغة في تعلق الفعل بمفعوله ، كقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] ، لأن المقام أصله مكان القيام ، وأريد فيه بالقيام مطلق الوجود لأن الأشياء تعتبر قائمة ، فإذا قيل { خاف مقامي } كان فيه من المبالغة ما ليس في ( خافني ) بحيث إن الخوف يتعلق بمكان المخوف منه . كما يقال : قصّر في جانبي . ومنه قوله تعالى : { على ما فرطت في جنب الله } [ سورة الزمر : 56 ] . وكل ذلك كناية عن المضاف إليه كقول زياد الأعجم :
إن السماحة والمروءة والندى *** في قُبة ضُربت على ابن الحشرج
أي في ابن الحشرج من غير نظر إلى وجود قبة . ومنه ما في الحديث إن الله لما خلق الرحم أخذت بساق العرش وقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، أي هذا العائذ بك القطيعة .
وخوف الله : هو خوف غضبه لأن غضب الله أمر مكروه لدى عبيده .
وعطف جملة { وخاف وعيد } على { خاف مقامي } مع إعادة فعل { خاف } دون اكتفاء بعطف { وعيدي } على { مقامي } لأن هذه الصلة وإن كان صريحها ثناءً على المخاطبين فالمراد منها التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله ، ولولا ذلك لكانت جملة { خاف مقامي } تغني عن هذه الجملة ، فإن المشركين لم يعبأوا بوعيد الله وحسبوه عبثاً ، قال تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ سورة الحج : 47 ] ، ولذلك لم يجمع بينهما في سورة البينة ( 8 ) { ذلك لمن خشي ربه } لأنه في سياق ذكر نعيم المؤمنين خاصة .
وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم فكان المقام للفريقين ، فجمع في جزاء المؤمنين بإدماج التعريض بوعي الكافرين ، وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه وأن يخاف وعيده ، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون ، فآل معنى الآية إلى معنى الآية الأخرى { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } [ سورة الأنبياء : 105 ] .
وقرأ الجمهور وعيد } بدون ياء وصلاً ووقفاً . وقرأه ورش عن نافع بدون ياء في الوقف وبإثباتها في الوصل . وقرأه يعقوب بإثبات الياء في حالي الوصل والوقف . وكل ذلك جائز في ياء المتكلم الواقعة مضافاً إليها في غير النداء . وفيها في النداء لغتان أخريان .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"ولنسكننكم الأرض من بعدهم"، هذا وعدٌ من الله مَنْ وَعد من أنبيائه النصرَ على الكَفَرة به من قومه. يقول: لما تمادتْ أمم الرسل في الكفر، وتوعَّدوا رسُلهم بالوقوع بهم، أوحى الله إليهم بإهلاك من كَفَر بهم من أممهم ووعدهم النصر. وكلُّ ذلك كان من الله وعيدًا وتهدُّدا لمشركي قوم نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم على كفرهم به، وجُرْأتهم على نبيه، وتثبيتًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأمرًا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولي العزم من رسله، ومُعرِّفَة أن عاقبة أمرِ من كفر به الهلاكُ، وعاقبتَه النصرُ عليهم، سُنَّةُ الله في الذين خَلَوْا من قبل.
وقوله: "ذلك لمن خَافَ مَقامي وخاف وَعِيدِ"، يقول جل ثناؤه: هكذا فِعْلي لمن خاف مَقامَه بين يديّ، وخاف وعيدي فاتَّقاني بطاعته، وتجنَّب سُخطي، أنصُرْه على ما أراد به سُوءًا وبَغَاه مكروهًا من أعدائي، أهلك عدوّه وأخْزيه، وأورثه أرضَه وديارَه.
وقال: "لمن خاف مَقَامي"، ومعناه ما قلت من أنه لمن خاف مَقَامه بين يديَّ بحيث أقيمه هُنالك للحساب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم} وعد لهم النصر والظفر عليهم والتمكين في أرضهم مع قله عدد أتباع الرسل وضعف أبدانهم ومع كثرة الأعداء وقوة أبدانهم ليعلموا أنه إنما قالوا ذلك بوحي من الله ووعده إياهم... وقوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي} قوله تعالى: {ذلك} يحتمل وجوها [ثلاثة] لأنه قد سبقه خصال ثلاث: ما يحتمل رجوع هذا الحرف إلى كل واحد من ذلك:
أحدها: [سبق] قوله: {إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده} [إبراهيم: 11]، فيحتمل قوله {ذلك} المن والفضل {لمن خاف مقامي وخاف وعيد}.
والثاني: سبق أيضا قوله: {وما لنا ألا نتوكل على الله} [إبراهيم: 12] أي ذلك الهدى والسبل التي هدانا إليها، أي ذلك الهدى والهداية {لمن خاف مقامي وخاف وعيد}.
والثالث: سبق أيضا [قوله]: {فأوحى إليهم ربهم} الآية [إبراهيم: 13] أي ذلك النصر والظفر بهم والتمكين في الأرض {لمن خاف مقامي وخاف وعيد}.
{ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}... وتأويله، والله أعلم، أي خاف سلطاني ونقمتي وعذابي في الدنيا بما نزل بمكذبي رسلي وأنبيائي {وخاف وعيد} وعذابي في الآخرة حين وعد أنه يحل بهم بالتكذيب وترك الإجابة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{لمن خاف مقامي وَخَافَ وَعِيدِ}: أي خاف مقامه في محل الحساب غداً فأناب إلى نفسه على وجه التخصيص. ويقال خاف مقامي أي هاب اطلاعي عليه، فالأول تذكير المحاسبة في الآجل، والثاني تحقيق المراقبة في العاجل...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {ذلك} إشارة إلى ما قضى به الله من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم، أي ذلك الأمر حق {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} موقفي وهو موقف الحساب، لأنه موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة، أو على إقحام المقام. وقيل: خاف قيامي عليه وحفظي لأعماله. والمعنى أنّ ذلك حق للمتقين، كقوله: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]...
{ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} فقوله "ذلك "إشارة إلى أن ما قضى الله تعالى به من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم أثر ذلك الأمر حق لمن خاف مقامي وفيه وجوه: الأول: المراد موقفي وهو موقف الحساب، لأن ذلك الموقف موقف الله تعالى الذي يقف فيه عباده يوم القيامة، ونظيره قوله: {وأما من خاف مقام ربه} وقوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}.
الثاني: أن المقام مصدر كالقيامة، يقال: قام قياما ومقاما، قال الفراء: ذلك لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي إياه كقوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}. الثالث: {ذلك لمن خاف مقامي} أي إقامتي على العدل والصواب فإنه تعالى لا يقضي إلا بالحق ولا يحكم إلا بالعدل وهو تعالى مقيم على العدل والصواب لا يميل عنه ولا ينحرف البتة.
الرابع: {ذلك لمن خاف مقامي} أي مقام العائذ عندي وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
الخامس: {ذلك لمن خاف مقامي} أي لمن خافني، وذكر المقام ههنا مثل ما يقال: سلام الله على المجلس الفلاني العالي، والمراد: سلام الله على فلان فكذا ههنا.
ثم قال تعالى: {وخاف وعيد} قال الواحدي: الوعيد اسم من أوعد إيعادا وهو التهديد. قال ابن عباس: خاف ما أوعدت من العذاب.
واعلم أنه تعالى ذكر أولا قوله: {ذلك لمن خاف مقامي} ثم عطف قوله: {وخاف وعيد} فهذا يقتضي أن يكون الخوف من الله تعالى مغايرا للخوف من وعيد الله، ونظيره: أن حب الله تعالى مغاير لحب ثواب الله، وهذا مقام شريف عال في أسرار الحكمة والتصديق.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولنسكننكم} أي دونهم {الأرض} أي مطلقها وخصوص أرضهم، وأشار إلى عدم الخلود بالجار فقال: {من بعدهم} بأن نورثكموها سواء قدرناهم على إخراجكم أم لا، فكأنه قيل: هل ذلك خاص بهم؟ فقيل: لا، بل {ذلك} أي الأمر العالي المرام {لمن خاف مقامي} أي المكان الذي يقوم فيه من أحاسبه: ماذا تكون عاقبته فيه، وهو أبلغ من: خافني، {وخاف وعيد} لا بد أن أهلك ظالمه وأسكنه أرضه بعده، فاستبشروا بذلك الوعد من الله تعالى...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه، {وَخَافَ وَعِيدِ} أي: ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خاف مقامي، فلم يتطاول ولم يتعال ولم يستكبر ولم يتجبر، وخاف وعيد، فحسب حسابه، واتقى أسبابه، فلم يفسد في الأرض، ولم يظلم في الناس، فهو من ثم يستحق الاستخلاف، ويناله باستحقاق...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف جملة {وخاف وعيد} على {خاف مقامي} مع إعادة فعل {خاف} دون اكتفاء بعطف {وعيدي} على {مقامي} لأن هذه الصلة وإن كان صريحها ثناءً على المخاطبين فالمراد منها التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله، ولولا ذلك لكانت جملة {خاف مقامي} تغني عن هذه الجملة، فإن المشركين لم يعبؤوا بوعيد الله وحسبوه عبثاً... وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم فكان المقام للفريقين، فجمع في جزاء المؤمنين بإدماج التعريض بوعي الكافرين، وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه وأن يخاف وعيده، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون، فآل معنى الآية إلى معنى الآية الأخرى {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [سورة الأنبياء: 105]...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{ولنسكننكم الأرض من بعدهم} والأرض هي أرض الدعوة التي هدد المشركون أن يخرجوهم منها...
هنا يؤكد الحق سبحانه أن من يثبت على الإيمان، ويخاف مقام الحق سبحانه، ويخشى يوم العرض على الحق ويوم الحساب؛ ولم ينكص عن منهج دعوة الحق، سيورثه الحق سبحانه أرض من كفر بالله، فتلك سنة الله...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذا النصر والتوفيق لا يناله إلاّ (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) فلطفه ومنّه ليس بدون حساب ودليل، ولا يناله إلاّ من أحسّ بمسؤوليته في مقابل العدل الإلهي، لا الظالمين والمعاندين لطريق الحقّ...