المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

86- فعاد موسى إلي قومه في غضب شديد وحزن مؤلم ، وخاطب قومه - منكراً عليهم - بقوله : لقد وعدكم ربكم النجاة والهداية بنزول التوراة ، والنصر بدخول الأرض المقدسة ، ولم يطل عليكم العهد حتى تنسوا وعد الله لكم ، أردتم بسوء صنيعكم أن ينزل بكم غضب الله بطغيانكم الذي حذركم منه ، فأخلفتم عهدكم لي بالسير علي سنتي والمجيء علي أثرى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

وقوله - تعالى - : { فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } بيان لما كان منه - عليه السلام - بعد أن علم بضلال قومه .

وكان رجوع موسى إليهم بعد أن ناجى ربه ، وتلقى منه التوراة .

قال الآلوسى ما ملخصه : { فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ } عند رجوعه المعهود أى : بعد ما استوفى الأربعين " ذا القعدة وعشر ذى الحجة " وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور ، فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هى باعتبار قيد الرجوع المستفاد منه قوله { غَضْبَانَ أَسِفاً } لا باعتبار نفسه ، وإن كانت داخلة عليه حقيقة ، فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور . . . " .

والمعنى فرجع موسى إلى قومه - بعد مناجاته لربه وبعد تلقيه التوراة حالة كونه { غَضْبَانَ أَسِفاً } أى : غضبان شديد الغضب .

فالمراد بالأسف شدة الغضب ، وقيل المراد به الحزن والجزع .

ثم بين - سبحانه - ما قاله موسى لقومه بعد رجوعه إليهم فقال : { قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً . . } .

أى : قال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى إنكاره ، ومن هذا الوعد الحسن : إنزال التوراة لهدايتكم وسعادتكم ، وإهلاك عدوكم أمام أعينكم . فلماذا أعرضتم عن عبادته وطاعته مع أنكم تعيشون فى خيره ورزقه . . . ؟

ثم زاد فى تأنيبهم وفى الإنكار عليهم فقال : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } .

فالاستفهام فى قوله { أَفَطَالَ . . . } للنفى والإنكار و { أَمْ } منقطعة بمعنى بل .

والمعنى : أفطال عليكم الزمان الذى فارقتكم فيه ؟ لا إنه لم يطل حتى تنسوا ما أمرتكم به ، بل إنكم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ، فأخلفتم موعدى الذى وعدتمونى إياه وهو أن تثبتوا على إخلاص العبادة لله - تعالى - .

ومعنى إرادتهم حلول الغضب عليهم ، أنهم فعلوا ما يستوجب ذلك وهو طاعتهم للسامرى فى عبادتهم للعجل .

قال ابن جرير : كان إخلافهم موعده : عكوفهم على عبادة العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذى كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه فى أثر موسى : { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

وينهي السياق موقف المناجاة هنا على عجل ويطويه ، ليصور انفعال موسى - عليه السلام - مما علم من أمر الفتنة ، ومسارعته بالعودة ، وفي نفسه حزن وغضب ، على القوم الذين أنقذهم الله على يديه من الاستعباد والذل في ظل الوثنية ؛ ومن عليهم بالرزق الميسر والرعاية الرحيمة في الصحراء ؛ وذكرهم منذ قليل بآلائه ، وحذرهم الضلال وعواقبه . ثم ها هم أولاء يتبعون أول ناعق إلى الوثنية ، وإلى عبادة العجل !

ولم يذكر هنا ما أخبر الله به موسى من تفصيلات الفتنة ، استعجالا في عرض موقف العودة إلى قومه . ولكن السياق يشي بهذه التفصيلات . فلقد عاد موسى غضبان أسفا يوبخ قومه ويؤنب أخاه . فلا بد أنه كان يعلم شناعة الفعلة التي أقدموا عليها :

( فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا . قال : يا قوم : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ? أفطال عليكم العهد ? أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ، قالوا : ما أخلفنا موعدك بملكنا ، ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ، فكذلك ألقى السامري ، فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ، فقالوا : هذا إلهكم وإله موسى فنسي ، أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ? ولقد قال لهم هارون من قبل : يا قوم إنما فتنتم به ، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري . قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ! ) .

هذه هي الفتنة يكشف السياق عنها في مواجهة موسى بقومه ؛ وقد أخر كشفها عن موقف المناجاة ، واحتفظ بتفصيلاتها لتظهر في مشهد التحقيق الذي يقوم به موسى . .

لقد رجع موسى ليجد قومه عاكفين على عجل من الذهب له خوار يقولون : هذا إلهكم وإله موسى . وقد نسي موسى فذهب يطلب ربه على الجبل وربه هنا حاضر !

فراح موسى يسألهم في حزن وغضب : ( يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ? )وقد وعدهم الله بالنصر ودخول الأرض المقدسة في ظل التوحيد ؛ ولم يمض على هذا الوعد وإنجاز مقدماته طويل وقت . ويؤنبهم في استنكار : ( أفطال عليكم العهد ? أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ? )فعملكم هذا عمل من يريد أن يحل عليه غضب من الله كأنما يتعمد ذلك تعمدا ، ويقصد إليه قصدا ! . . أفطال عليكم العهد ? أم تعمدتم حلول الغضب ( فأخلفتم موعدي )وقد تواعدنا على أن تبقوا على عهدي حتى أعود إليكم ، لا تغيرون في عقيدتكم ولا منهجكم بغير أمري ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

وقوله : " فَرَجَعَ مُوسَى إلى قومه " يقول : فانصرف موسى إلى قومه من بني إسرائيل بعد انقضاء الأربعين ليلة غَضْبانَ أسِفا متغيظا على قومه ، حزينا لما أحدثوه بعده من الكفر بالله . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " غَضْبانَ أسِفا " يقول : حزينا . وقال في الزخرف : " فَلَمّا آسَفُونا " يقول : أغضبونا ، والأسف على وجهين : الغضب ، والحزن .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ " غَضْبانَ أسِفا " يقول : حزينا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وَلَمّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفا " : أي حزينا على ما صنع قومه من بعده .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أسِفا قال : حزينا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : " قالَ يا قَوْمِ أَلْم يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدا حَسَنا " يقول : ألم يعدكم ربكم أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، ويعدكم جانب الطور الأيمن ، وينزل عليكم المنّ والسلوى ، فذلك وعد الله الحسن ببني إسرائيل الذي قال لهم موسى : ألم يعدكموه ربكم . وقوله : " أفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّكُمْ " يقول : أفطال عليكم العهد بي ، وبجميل نعم الله عندكم ، وأياديه لديكم ، أم أردتم أن يحلّ عليكم غضب من ربكم : يقول : أم أردتم أن يجب عليكم غضب من ربكم فتستحقوه بعبادتكم العجل ، وكفركم بالله ، فأخلفتم موعدي . وكان إخلافهم موعده ، عكوفهم على العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ، ودعاهم إلى السير معه في أثر موسى : " لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسَى " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

فلما أخبر الله تعالى موسى عليه السلام بما وقع رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً عليهم من حيث له قدرة على تغيير منكرهم { أسفاً } أي : حزيناً من حيث علم أنه موضع عقوبة لابد له بدفعها ، ولا بد منها ، و‹الأسف› في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب ، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن ، وتأمل ذلك فهو مطرد إن شاء الله عز وجل .

{ قَالَ ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي }

وبخ موسى عليه السلام قومه بهذه المقالة و «الوعد الحسن » هو ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى به أهل طاعته ، وقوله { وعداً } إما أن يكون نصباً على المصدر والمفعول الثاني مقدراً ، وإما أن يكون بمعنى الموعود ويكون هو المفعول الثاني بعينه ، ثم وقفهم على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهي طول { العهد } حتى يتبين لهم خلف في الموعد أو إرادة غضب الله تعالى . وذلك كله لم يكن ولكنهم عملوا عمل من لم يتدين وسمي العذاب «غضباً » من حيث هو عن الغضب ، والغضب إن جعل بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن جعل ظهور النقمة والعقاب فهو صفة فعل فهو من المتردد بين الحالين .