المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

53- وما أدَّعى عَصمةَ نفسي من الزلل ، فإن النفس تميل بطبعها إلى الشهوات وتزيين السوء والشر ، إلا نفس من حفظه الله وصرفه عن السوء . وإني لأطمع في رحمة الله وغفرانه ، لأنه واسع الغفران لذنوب التائبين ، قريب لا ينجح تدبير الخائنين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

ثم أضافت إلى كل ذلك قولها : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أى : ومع أنى أعترف بأنه من الصادقين ، وأعترف بأنى لم أخنه بالغيب ، إلا أنى مع كل ذلك لا أبرئ نفسى ولا أنزهها عن الميل إلى الهوى ، وعن محاولة وصفه بما هو برئ منه ، فأنا التي قلت لزوجى في حالة دهشتى وانفعالى الشديد ، { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سوءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وما حملنى على هذا القول إلا هواي وشهواتي ، ونفسي ؛ إن النفس البشرية لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء إلا نفسا رحمها الله وعصمها من الزلل والانحراف ، كنفس يوسف - عليه السلام - .

وجملة { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تعليل لما قبلها ، أى : إن ربى كثير الغفران وكثير الرحمة ، لمن يشاء أن يغفر له ويرحمه من عباده .

والذى يتأمل هذا الكلام الذي حكاه القرآن عن امرأة العزيز ، يراه زاخرا بالصراحة التي ليس بعدها صراحة ، وبالمشاعر والانفعالات الدالة على احترامها ليوسف الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، رغم الإِغراءات المصحوبة بالترغيب والترهيب ، ويبدو لنا - والله أعلم - أن هذا الكلام ما قالته امرأة العزيز ، إلا بعد أن استقرت عقيدة الإِيمان التي آمن بها يوسف في قلبها ، وبعد أن رأت فيه إنسانا يختلف في استعصامه بالله وفى سمو نفسه ، عن غيره من الناس الذين رأتهم .

هذا ، ويرى كثير من المفسرين أن كلام امرأة العزيز قد انتهى عند قوله - تعالى - { وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } وأن قوله - تعالى - بعد ذلك { ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب . . . } إلى قوله - تعالى - { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هو من كلام يوسف - عليه السلام - ، فيكون المعنى :

وذلك ليعلم " أى العزيز " أنى لم أخنه ، في أهله { بالغيب } أى في غيبته { وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين } من النساء والرجال ، بل يبطل هذا الكيد ويفضحه .

{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي } أى : ولا أنزهها عن السوء ، وهذا من باب التواضع منه - عليه السلام - { إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء } أى : إن هذا الجنس من الأنفس البشرية ، شأنه الأمر بالسوء والميل إلى الشهوات .

{ إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي } من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء .

{ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن شاء أن يغفر له ويرحمه من خلقه .

والذى نراه أن الرأى الأول الذي سرنا عليه هو الجدير بالقبول ، لأنه هو المناسب لسياق الآيات من غير تكلف ، ولأنه لا يؤدى إلى تفكك الكلام وانقطاع بعضه عن بعض ، بخلاف الرأى الثانى الذي يرى أصحابه أن كلام امرأة العزيز قد انتهى عند قوله - تعالى - { وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } فإنه يؤدى إلى تفكك الكلام ، وعدم ارتباط بعضه ببعض ، فضلا عن أن وقائع التاريخ لا يؤيده ، لأن يوسف - عليه السلام - كان في السجن عندما أحضر الملك النسوة وقال لهن : { مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ . . } وعندما قالت امرأة العزيز أمام الملك وأمامهن : { الآن حَصْحَصَ الحق . . } إلى قوله - تعالى - { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

ومن المفسرين الذين أيدوا الرأى الأول الإِمام ابن كثير فقد قال ما ملخصه : { ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب . . } تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسى ، بأنى راودت هذا الشاب فامتنع ، { وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي . . . } تقول المرأة : ولست أبرئ نفسى ، فإن النفس تتحدث وتتمنى ، ولهذا راودته لأنها أمارة بالسوء . { إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي } أى : من عصمه الله - تعالى - . . .

ثم قال : " وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصه ومعانى الكلام . لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف - عليه السلام - عندهم ، بل بعد ذلك أحضره الملك " .

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن القسم الأول من حياة يوسف - عليه السلام - القسم الذي تعرض خلاله لألوان من المحن والآلام ، بعضها من إخوته ، وبعضها من امرأة العزيز ، وبعضها من السجن ومراراته . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

35

وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة :

( وما أبريء نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، إن ربي غفور رحيم ) . .

إنها امراة أحبت . امرأة تكبر الرجل الذي تعلقت به في جاهليتها وإسلامها ، فهي لا تملك إلا أن تظل معلقة بكلمة منه ، أو خاطرة ارتياح تحس أنها صدرت عنه !

وهكذا يتجلى العنصر الإنساني في القصة ، التي لم تسق لمجرد الفن ، إنما سيقت للعبرة والعظة . وسيقت لتعالج قضية العقيدة والدعوة . ويرسم التعبير الفني فيها خفقات المشاعر وانتفاضات الوجدان رسما رشيقا رفيقا شفيفا . في واقعة كاملة تتناسق فيها جميع المؤثرات وجميع الواقعيات في مثل هذه النفوس ، في ظل بيئتها ومؤثرات هذه البيئة كذلك .

وإلى هنا تنتهي محنة السجن ومحنة الاتهام ، وتسير الحياة بيوسف رخاء ، الاختبار فيه بالنعمة لا بالشدة .

وإلى هنا نقف في هذا الجزء من الظلال ، وتتابع القصة سيرها في الجزء التالي إن شاء الله .

انتهى الجزء الثاني عشر و يليه الجزء الثالث عشر مبدوءاً بقوله تعالى : وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول يوسف صلوات الله عليه : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي من الخطأ والزلل فأزكيَها . إنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بالسّوءِ يقول : إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله إلاّ ما رَحِمَ رَبّي يقول : إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعته فيما تأمره به من السوء . إنّ رَبّي غَفُورٌ رَحِيمٌ . و«ما » في قوله : إلاّ ما رَحِمَ رَبّي في موضع نصب ، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله ، كقوله : ولاَ هُمْ يُنْقَذُونَ إلاّ رَحْمَةً مِنّا بمعنى : إلا أن يُرحموا ، وأَنْ إذا كانت في معنى المصدر تضارع «ما » .

ويعني بقوله : إنّ رَبّي غَفُورٌ رَحيمٌ : أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه ، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها ، رحيم به بعد توبته أن يعذّبه عليها . وذُكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لما قال : ذلكَ ليَعْلَمَ أنْي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال مَلَك من الملائكة : ولا يوم هممت بها ؟ فقال يوسف حينئذٍ : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . وقد قيل : إن القائل ليوسف : ولا يومَ هَمَمْتَ بها فحللت سراويلك ؟ هو امرأة العزيز ، فأجابها يوسف بهذا الجواب . وقيل : إن يوسف قال ذلك ابتداء من قِبَل نفسه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، فسألهن : هل رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الحَقّ . . . الآية ، قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال فقال له جَبْرَئيل : ولا يوم هممت به هممت ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سمِاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، قال لهن : أنتُن راودتنّ يوسف عن نفسه ؟ ثم ذكر سائر الحديث ، مثل حديث أبي كُريب ، عن وكيع .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، قال : أنتنّ راودتنَ يوسف عن نفسه ؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال : فغمزه جبرائيل ، فقال : ولا حين هممتَ بها ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال جبرائيل ، أو ملك : ولا يومَ همَمتَ بما هممت به ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير بنحوه ، إلا أنه قال : قال له الملَك : ولا حين هممت بها ؟ ولم يقل : أو جبرئيل ، ثم ذكر سائر الحديث مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بشر وأحمد بن بشير ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير : ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : فقال له الملك ، أو جبريل : ولا حين هممت بها ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سِنان ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : لما قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال له جبرئيل : ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، بمثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثل حديث ابن وكيع ، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، وزيد بن حباب ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال له جبرئيل : اذكر همك فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن الحسن : ذلكَ لِيَعْلَمُ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال جبرئيل : يا يوسف اذكر همك قال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخنُهُ بالغَيْب قال : هذا قول يوسف ، قال : فقال له جبرئيل : ولا حين حللت سراويلك ؟ قال : فقال يوسف وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأمّارةٌ بالسوءِ . . . الآية .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، بنحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ ذكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف ، قال له : اذكر ما هممت به قال نبيّ الله : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن المَلَك قال له حين قال ما قال : أتذكر هَمّك ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبّي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال الملك ، وطعن في جنبه : يا يوسف ، ولا حين هممت ؟ قال : فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي . ذكر من قال قائل ذلك له المرأة :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : قاله يوسف حين جيء به ليُعْلِم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ فقالت امرأة العزيز : يا يوسف ، ولا يوم حللت سراويلك ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . ذكر من قال قائل ذلك يوسف لنفسه ، من غير تذكير مذكّر ذكّره ولكنه تذكر ما كان سَلَف منه في ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عَمّي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ وأنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ هو قول يوسف لمليكهِ حين أراه الله عذره ، فذكّره أنه قد همّ بها وهمّت به ، فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . . . الآية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

{ وما أبرّئ نفسي } أي لا أنزهها تنبيها على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله ، بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق . وعن ابن عباس أنه لما قال : { ليعلم أني لم أخنه بالغيب } قال له جبريل ولا حين هممت فقال : ذلك . { إن النفس لأمارة بالسوء } من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهم بها ، وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات . { إلا ما رحم ربي } إلا وقت رحمة ربي ، أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه من ذلك . وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة . وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه . وعن ابن كثير ونافع " بالسّو " على قلب الهمزة واوا ثم الإدغام . { إن ربي غفور رحيم } يغفر همّ النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه مما ارتكبه .