المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

وقوله تعالى : { وما أبرىء نفسي } الآية ، هذه أيضاً مختلف فيها هل هي من كلام يوسف أم من كلام المرأة ، حسب التي قبلها :

فمن قال من كلام يوسف روى في ذلك : عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما قال يوسف : { أني لم أخنه بالغيب } قال له جبريل : ولا حين هممت وحللت سراويلك{[6727]} ، وقال نحوه ابن عباس وابن جبير وعكرمة والضحاك . وروي أن المرأة قالت له ذلك ، قاله السدي ، وروي أن يوسف تذكر من تلقائه ما كان هم به فقال : { وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } ، قاله ابن عباس أيضاً .

ومن قال : إن المرأة قالت { وما أبرىء نفسي } فوجه كلامها الاعتذار عن وقوعها فيما يقع فيه البشر من الشهوات ، كأنها قالت : وما هذا ببدع ولا ذلك نكير على البشر فأبرئ أنا منه نفسي ، والنفوس أمارات بالسوء مائلة إليه .

و { أمارة } بناء مبالغة ، و { ما } في قوله : { إلا ما رحم } مصدرية ، هذا قول الجمهور فيها ، وهو على هذا . استثناء منقطع ، أي إلا رحمة ربي{[6728]} ، ويجوز أن تكون بمعنى «من » ، هذا على أن تكون النفس يراد بها النفوس إذ النفس تجري صفة لمن يعقل كالعين والسمع ، كذا قال أبو علي ، فتقدير الآية : إلا النفوس التي يرحمها الله .

قال القاضي أبو محمد : وإذن النفس اسم جنس ، فصح أن تقع { ما } مكان «من » إذ هي كذلك في صفات من يعقل وفي أجناسه ، وهو نص في كلام المبرد ، وهو - عندي - معنى كلام سيبويه ، وهو مذهب أبي علي - ذكره في البغداديات .

ويجوز أن تكون { ما } ظرفية ، المعنى : أن النفس لأمارة بالسوء إلا مدة رحمة الله العبد وذهابه عن اشتهاء المعاصي .

ثم ترجى في آخر الآية بقوله : { إن ربي غفور رحيم } .


[6727]:أخرج الحاكم في تاريخه، وابن مردويه، والديلمي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب}، قال: لما قالها يوسف عليه السلام، قال له جبريل عليه السلام: يا يوسف اذكر همك، قال: {وما أبرىء نفسي}.
[6728]:قال الفراء في "معاني القرآن": ومثله: {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها}، ومثله في سورة يس: {فلا صريخ ولا هم ينقدون إلا رحمة منا}، إنما هو – والله أعلم ـ إلا أن يرحموا، و"أن" تضارع "ما" إذا كانتا في معنى مصدر. وقال أبو حيان في "البحر المحيط": والظاهر أن {إلا ما رحم ربي} استثناء متصل من قوله: {لأمارة بالسوء} لأنه أراد الجنس بقوله: {إن النفس}، فكأنه قال: إلا النفس التي رحمها ربي فلا تأمر بالسوء، فيكون استثناء من الضمير المستكن في: {أمارة}.