مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكياً وليبين أن ما فيه من الأمانة بتوفيق الله وعصمته فقال { وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى } من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها في عموم الأحوال ، أو في هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذي هو الخطرة البشرية لا عن طريق القصد والعزم { إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء } أراد الجنس أي إن هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه لما فيه من الشهوات { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى } إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة ويجوز أن يكون ما رحم في معنى الزمان أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت العصمة ، أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة ، وقيل : هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه ، وما أبرىء نفسي مع ذلك من الخيانة فإني قد خنته حين قذفته وقلت { ما جزاء من أراد بأهلك سوءأً إلا أن يسجن } وأودعته السجن ، تريد الاعتذار مما كان منها إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إلا نفسها رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف { إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت وإنما جعل من كلام يوسف ولا دليل عليه ظاهر لأن المعنى يقود إليه . وقيل : هذا من تقديم القرآن وتأخيره أي قوله { ذلك ليعلم } متصل بقوله { فاسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } .