فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

{ وَمَا أُبَرّىء نَفْسِي } إن كان من كلام يوسف فهو من باب الهضم للنفس ، وعدم التزكية بها مع أنه قد علم هو وغيره من الناس أنه بريء ، وظهر ذلك ظهور الشمس ، وأقرّت به المرأة التي ادّعت عليه الباطل ، ونزهته النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ ، وإن كان من كلام امرأة العزيز فهو واقع على الحقيقة ؛ لأنها قد أقرت بالذنب ، واعترفت بالمراودة وبالافتراء على يوسف . وقد قيل : إن هذا من قول العزيز وهو بعيد جدّاً ؛ ومعناه : وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف ، والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته { إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء } أي : إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات ، وتأثيرها بالطبع ، وصعوبة قهرها ، وكفها عن ذلك { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى } أي : إلاّ من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء ، أو إلاّ وقت رحمة ربي وعصمته لها ، وقيل : الاستثناء منقطع ، والمعنى : لكن رحمة ربي هي التي تكفها عن أن تكون أمارة بالسوء ، وجملة { إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تعليل لما قبلها ، أي : إن من شأنه كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم .

/خ57