المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

19- وأُوحى إلىَّ أنه لما قام عبد الله - محمد - في صلاته يعبد الله كاد الجن يكونون عليه جماعات ملتفة ، تعجباً مما رأوه وسمعوه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

ثم بين - سبحانه - حال الصالحين من الجن ، عندما استمعوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ، ويتقرب إلى الله - تعالى - بالعبادة فقال : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }

أى : وأوحى الله - تعالى - فيما أوحى من شأن الجن ، { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { يَدْعُوه } أى : يدعو الله - تعالى - ويعبده فى الصلاة ، { كَادُواْ } أى : الجن { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } أى : كادوا من شدة التزاحم عليه ، والتكتل حوله .

. يكونون كاللبد ، أى : كالشئ الذى تلبد بعضه فوق بعض . ولفظ " لِبَدا " جمع لِبْدَة ، وهى الجماعة المتزاحمة ، ومنه لبدة الأسد للشعر المتراكم فى رقبته .

ووضع - سبحانه - الاسم الظاهر موضع المضمر ، إذ مقتضى الظاهر أن يقال : وأنه لما قمت تدعو الله . . أو لما قمتُ أدعو الله . . تكريما للنبى صلى الله عليه وسلم حيث وصفه بأنه " عبد الله " لما فى هذه الإِضافة من التشريف والتكريم .

والجن : إنما ازدحموا حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ويقرأ القرآن . . تعجبا مما شاهدوه من صلاته ، ومن حسن قراءته ، ومن كمال اقتداء أصحابه ، قياما ، وركوعا ، وسجودا . . ومنهم من يرى أن الضمير فى " كادوا " يعود لكفار قريش ، فيكون المعنى : وأنه لما قام محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ربه . . كادوا من تزاحمهم عليه ، يكونون كاللبد ، لا لكى ينتفعوا بما يسمعون ، ولكن لكى يطفئوا نور الله بأفواههم ، والحال أن الله - تعالى - قد رد كيدهم فى نحورهم ، وأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .

قال صاحب الكشاف : " عبد الله " هو النبى صلى الله عليه وسلم ، فإن قلت : هلا قيل : رسول الله أو النبى ؟ قلت : لأن تقديره وأوحى إلى أنه لما قام عبد الله ، فلما كان واقعا فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، جئ به على ما يقتضيه التواضع والتذلل ، أو لأن المعنى أن عبادة عبد الله ، لله - تعالى - ليست بأمر مستبعد عن العقل ولا مستنكر ، حتى يكونوا عليه لبدا .

ومعنى " قام يدعوه " : قام يعبده . يريد : قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن ، فاستمعوا لقراءته ، وتزاحموا عليه .

وقيل معناه : لما قام رسول يعبد الله وحده ، مخالفا المشركين فى عبادتهم كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته ، يزدحمون عليه متراكمين . .

ويبدو لنا أن عودة الضمير فى " كادوا " على مؤمنى الجن أرجح ، لأن هذا هو الموافق لإِعجابهم بالقرآن الذى سمعوه من النبى صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الظاهر من سياق الآيات ، حيث ن الحديث عنهم ، ولأن الآثار قد وردت فى أن الجن قد التفوا حول النبى صلى الله عليه وسلم حين سمعوا يقرأ القرآن .

ومن هذه الآثار قول الزبير بن العوام : هم الجن حين استمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم كادوا يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

وكذلك الآية التالية :

( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) . .

أي متجمعين متكتلين عليه ، حين قام يصلي ويدعو ربه . والصلاة معناها في الأصل الدعاء .

فإذا كانت من مقولات الجن ، فهي حكاية منهم عن مشركي العرب ، الذين كانوا يتجمعون فئات حول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يصلي أو وهو يتلو القرآن كما قال في " سورة المعارج " : فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ? . . يتسمعون في دهش ولا يستجيبون . أو وهم يتجمعون لإيقاع الأذى به ، ثم يعصمه الله منهم كما وقع ذلك مرارا . . ويكون قول الجن هذا لقومهم للتعجيب من أمر هؤلاء المشركين !

وإذا كانت من أخبار الله ابتداء ، فقد تكون حكاية عن حال هذا النفر من الجن ، حين سمعوا القرآن . . العجب . . فأخذوا ودهشوا ، وتكأكأوا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعضهم لصق بعض ، كما تكون لبدة الصوف المنسوق شعرها ، بعضه لصق بعض ! . . ولعل هذا هو الأقرب لمدلول الآية لاتساقه مع العجب والدهشة والارتياع والوهلة البادية في مقالة الجن كلها ! والله أعلم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

وقوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول : وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول : «لا إله إلا الله » كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول : كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض واحدها : لبدة ، وفيها لغتان : كسر اللام لِبدة ، ومن كسرها جمعها لِبَد وضم اللام لُبدة ، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام ، أو لابِد ومن جمع لابد قال : لُبّدا ، مثل راكِع ورُكّعا ، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد ، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يصمها ، وهما بمعنى واحد غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضا لُبْدَةً ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذليّ :

صَابُوا بسِتّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍ *** حتى كأنّ عليهِمْ جابِيا لُبَدَا

والجابي : الجراد الذي يجبي كلّ شيء يأكله .

واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بقوله : كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا فقال بعضهم : عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول : لما سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول ، فجعل يُقرئه : قُلْ أُوحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن .

قال أبو جعفر : ومن قال هذا القول جعل قوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ مما أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيكون معناه : قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه .

وقال آخرون : بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وائتمامهم به في الركوع والسجود . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو مسلم ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قول الجنّ لقومهم : لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، قال : عجبوا من طواعية أصحابه له قال : فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : كان أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يأتموّن به ، فيركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده .

ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الألف من قوله : «وأنه » عطف بها على قوله : وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا مفتوحة ، وجاز له كسرها على الابتداء .

وقال آخرون : بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه ، ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به ، فأبى الله إلا إتمامه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ، ويظهره على من ناوأه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله لِبَدا قال : لما قام النبيّ صلى الله عليه وسلم تلبّدت الجنّ والإنس ، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : تظاهروا عليه بعضهم على بعض ، تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله «وأنه » . وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله : وأنّه لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ عقيب قوله : وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ وذلك من خبر الله فكذلك قوله : وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله : فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك ، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وأنّهُ لَما قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ قال : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا إله إلا الله » ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبير في قوله : كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : تراكبوا عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد بن جبير كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : بعضهم على بعض .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول : أعوانا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال جميعا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال : جميعا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا واللبد : الشيء الذي بعضه فوق بعض .