إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

{ وَأَنَّهُ } من جُملةِ المُوحَى أي وأُوحيَ إليَّ أنَّ الشأنَ { لمَّا قَامَ عَبْدُ الله } أي النبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإيرادُه بلفطِ العبدِ للإشعارِ بَما هُو المُقتضِي لقيامِه وعبادتِه للتواضعِ لأنَّه واقعٌ موقعَ كلامِه عن نفسِه { يَدْعُوهُ } حالٌ من فاعلِ قامَ أي يعبدُه وذلكَ قيامُه لصلاةِ الفجرِ بنخلةَ كما مرَّ تفصيلُه في سورةِ الأحقافِ . { كَادُوا } أي الجنُّ { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } متراكمينَ من ازدحامِهم عليه تعجباً ممّا شاهدُوا من عبادتِه وسمعُوا من قراءتِه واقتداءِ أصحابِه بهِ قياماً وركوعاً وسجوداً لأنَّهم رأوا ما لَم يَرَوا مثلَهُ وسمعُوا بما لم يسمعُوا بنظيرِه وقيلَ : معناهُ لمَّا قامَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يعبدُ الله وحدَهُ مخالفاً للمشركينَ كاد المشركون يزدحمون عليه متراكمينَ واللِّبدُ جمعُ لبدةٍ وهيَ ما تلبَّد بعضُه على بعضٍ ، ومنَها لبدةُ الأسدِ . وقُرِئَ لبُدُا جمعُ لبدةٍ وهي بمعنى اللبدةِ ولُبَّد جمع لابدٍ كساجدٍ وسُجّدٍ ولُبْداً بضمتينِ جمعُ لَبُودٍ كصبُورٍ وصُبُرٍ وعن قتادةَ تلبدتِ الإنسُ والجنُّ على هذا الأمرِ ليطفئُوه فأبَى الله ألا أنْ يظهرَهُ على مَنْ ناوأه .