قوله : { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } .
يجوز الفتحُ ، أي : أوحى الله إليه أنه ، ويجوز الكسر على الاستئناف ، و «عَبْدُ اللَّهِ » هو محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن حسب ما تقدم أول السورة . «يَدعُوهُ » ، أي : يعبده .
وقال ابن جريج : «يَدْعوهُ » ، أي : قام إليهم داعياً إلى الله تعالى ، فهو في موضع الحالِ ، أي : يوحد الله .
{ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } .
قال الزُّبيرُ بن العوام : هم الجنُّ حين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أي : كاد يركب بعضهم بعضاً ازدحاماً عليه ويسقطون حرصاً على سماع القرآنِ العظيم{[58190]} .
وقيل : كادوا يركبونه حرصاً ، قاله الضحاكُ{[58191]} .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : رغبة في سماع القرآن{[58192]} .
يروى عن مكحول : أن الجنَّ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة ، وكانوا سبعين ألفاً ، وفرغوا من بيعته عند الفجر{[58193]} .
وعن ابن عباس أيضاً : أن هذا من قول الجنِّ لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وائتمامهم به في الركوع والسجود{[58194]} .
وقيل : كاد الجنُّ يركب بعضهم بعضاً حرصاً على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال الحسن وقتادة وابن زيد : «لمَّا قَامَ عبدُ اللَّهِ » محمد بالدعوة تلبدت الإنس ، والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى اللَّهُ تعالى إلاَّ أن ينصره ويتم نوره{[58195]} ، واختار الطبريُّ أن يكون المعنى كادت العربُ يجتمعون على النبي صلى الله عليه وسلم ويتظاهرون على إطفاء النورِ الذي جاء به .
قال مجاهد : اللِّبَد : الجماعات{[58196]} .
قوله «لِبَداً » : قرأ هشام{[58197]} : بضم اللام ، والباقون : بكسرها .
فالأولى : جمع «لُبْدَة » - بضم اللام - نحو «غُرفَة وغُرَف » .
وقيل : بل هو اسم مفرد صفة من الصفات نحو «حطم » وعليه قوله تعالى { مَالاً لُّبَداً }[ البلد : 6 ] .
وأما الثانية : فجمع «لِبْدة » - بالكسر - نحو «قربة وقِرَب » .
واللبدة : الشيء المتلبد ، أي : المتراكب بعضه على بعض ، ومنه قولهم «لبدة الأسد » . كقول زهير : [ الطويل ]
4912 - لَدَى أسَدٍ شَاكٍ السِّلاحِ مُقذَّفٍ*** لَهُ لِبَدٌ أظفَارُهُ لم تُقلَّمِ{[58198]}
ومنه : اللبد ؛ لتلبُّد بعضه فوق بعض ، ولبد : اسم نسر لقمان بن عاد ، عاش مائتي سنةٍ ، حتى قالوا : أطال اللَّهُ الأمد على لبد .
والمعنى : كادت الجنُّ يكونون عليه جماعات متراكمة متزاحمين عليه كاللبد .
وقرأ الحسن{[58199]} والجحدريُّ : «لُبُداً » - بضمتين - ورواها جماعة عن أبي عمرو .
أحدهما : أنه جمع «لَبْد » نحو «رَهْن » جمع «رُهُن » .
والثاني : أنه جمع «لَبُود » نحو «صَبُور ، وصُبُر » وهو بناء مبالغة أيضاً .
وقرأ ابن محيصن{[58200]} : بضمة وسكون ، فيجوز أن تكون هذه مخففة من القراءة التي قبلها ويجوز أن يكون وصفاً برأسه .
وقرأ الحسن{[58201]} والجحدريُّ أيضاً : «لُبَّداً » - بضم اللام وتشديد الباء ، وهي غريبة جداً .
وقيل : وهو جمع «لابد » ك «ساجد وسُجَّد ، وراكع ورُكَّع » .
وقرأ أبو رجاء{[58202]} : بكسر اللام ، وكسر الباء ، وهي غريبة أيضاً .
وقيل : اللُّبَد - بضم اللام وفتح الباء - : الشيء الدائم ، واللبد أيضاً : الذي لا يسافر ولا يبرح ؛ قال الشاعر : [ البسيط ]
4913 - من امرئ ذِي سماحٍ لا تزَالُ لَهُ*** بَزْلاءُ يَعْيَا بِهَا الجثَّامةُ اللُّبَدُ{[58203]}
ويروى : اللَّبد ، قال أبو عبيد : وهو أشبه ، ويقال : ألبدت القربة جعلتها في لبيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.