الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

1

قوله : { يَدْعُوهُ } : في موضع الحالِ أي : داعياً ، أي : مُوَحِّداً له .

قوله : { لِبَداً } قرأ هشام بضمِّ اللامِ ، والباقون بكسرِها . فالأولى . جمعُ لُبْدَة بضمِّ اللامِ نحو : غُرْفة وغُرَف . وقيل : بل هو اسمٌ مفردٌ صفةٌ من الصفاتِ نحو : " حُطَم " ، وعليه قولُه تعالى : { مَالاً لُّبَداً } [ البلد : 6 ] . وأمَّا الثانيةُ : فجمعُ " لِبْدَة " بالكسر نحو : قِرْبَة وقِرَب . واللِّبْدَة واللُّبْدة . الشيءُ المتلبِّدُ أي : المتراكبُ بعضُه على بعضٍ ، ومنه لِبْدَة الأسد كقولِه :

4358 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** له لِبْدَةٌ أظفارُه لم تُقَلَّم

ومنه " اللِّبْدُ " لتَلَبُّدِ بعضِه فوق بعض ، ولُبَدٌ : اسمُ نَسْرِ لُقمانَ ابنِ عادٍ ، عاش مِئَتي سنةٍ حتى قالوا : " طال الأمَدُ على لُبَدٍ " والمعنى : كادَتِ الجِنُّ يكونون عليه جماعاتٍ متراكمةً مُزْدَحمِيْن عليه كاللَّبِدِ .

وقرأ الحسنُ والجحدريُّ " لُبُداً " بضمتين ، ورواها جماعةٌ عن أبي عمروٍ ، وهي تحتملُ وجهَيْنِ ، أحدُهما : أَنْ يكونَ جمعَ لَبْد نحو : " رُهُن " جمعَ " رَهْن " . والثاني : أنَّه جمعُ " لَبُود " نحو : صَبورُ وصُبُر ، وهو بناءُ مبالغةٍ أيضاً . وقرأ ابن مُحَيْصن بضمةٍ وسكونٍ ، فيجوزُ أَنْ تكونَ هذه مخففةً من القراءةِ التي قبلها ، ويجوزُ أن تكونَ وَصْفاً برأسِه . وقرأ الحسن والجحدريُّ أيضاً " لُبَّداً " بضم اللام وتشديد الباء ، وهو جمعُ " لابِد " كساجِد وسُجَّد ، وراكع ورُكَّع . وقرأ أبو رجاء بكسرِ/ اللامِ وتشديدِ الباءِ وهي غريبةٌ جداً .