الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

{ عَبْدُ الله } النبي صلى الله عليه وسلم .

فإن قلت : هلا قيل : رسول الله أو النبي ؟ قلت : لأن تقديره : وأوحى إليَّ أنه لما قام عبد الله فلما كان واقعاً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه : جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل أو لأن المعنى أن عبادة عبد الله ليست بأمر مستبعد عن العقل ولا مستنكر ، حتى يكونوا عليه لبداً . ومعنى ( قام يدعوه ) قام يعبده ، يريد : قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن فاستمعوا لقراءته صلى الله عليه وسلم { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } أي يزدحمون عليه متراكمين تعجباً مما رأوا ممن عبادته واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً وساجداً ، وإعجاباً بما تلا من القرآن ، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله ، وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره . وقيل معناه : لما قام رسولاً يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين في عبادتهم الآلهة من دونه : كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه متراكمين { لِبَداً } جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض ، ومنها «لبدة الأسد » وقرىء «لبدا » واللبدة في معنى اللبدة ؛ ولبدا : جمع لابد ، كساجد وسجد ولبدا بضمتين : جمع لبود ، كصبور وصبر وعن قتادة : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من ناوأه . ومن قرأ «وإنه » بالكسر : جعله من كلام الجن : قالوه لقومهم حين رجعوا إليهم حاكين ما رأوا من صلاته وازدحام أصحابه عليه في ائتمامهم به .