غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

1

قوله { وأنه لما قام عبد الله } هو النبي باتفاق المفسرين . ثم قال الواحدي : هذا من كلام الجن لأن الرسول لا يليق به أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة . ولا يخفى ضعفه فإنه وارد على طريق التواضع والأدب في الافتخار بالانتساب إلى عبودية المعبود الحق ، وهذا طريق مسلوك في المحاورات والمكاتبات . يقولون : عبدك كذا وكذا دون أن يقال " فعلت كذا " . وفي تخصيص هذا اللفظ بالمقام دون الرسول والنبي نكتة أخرى لطيفة هي أن ما قبله النهي عن عبادة غير الله وما بعده ذكر عبادة النبي إياه . فإن كان هذا من جملة الوحي فلا إشكال في النسق ، وإن كان من كلام الجن وفرض أن ما قبل قوله { وأن لو استقاموا } أيضاً من كلامهم كانت الآيتان المتوسطتان كالاعتراض بين طائفتي كلام الجن . ومناسبة الاستقامة على الطريقة وتخصيص المساجد بعبادة الله وحده لما قبلها ظاهرة فلا اعتراض على هذا الاعتراض . وفي قوله { كادوا } ثلاثة أوجه أظهرها أن الضمير للجن ، والقيام قيام النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن فاستمعوا لقراءته متزاحمين عليه متراكمين تعجباً مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه . والثاني بأن الضمير للمشركين والمعنى لما قام رسولاً يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين كاد المشركون لتظاهرهم عليه يزدحمون على عداوته ودفعه . والثالث قول قتادة أي لما قام عبد الله تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره . و { لبداً } جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد . والتركيب يدور على الاجتماع ومنه اللبد .

/خ28