تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

الآية 19 : وقوله تعالى : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا }فمنهم من يقول : إنهم{ كادوا يكونون عليه لبدا } على جهة الرغبة فيه وموالاتهم له ؛ فقوله تعالى : { كادوا يكونون عليه لبدا } أي كاد يلتصق بعضهم ببعض{[22341]} ليتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أو{ كادوا يكونون عليه لبدا } أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كادوا يلتصقون به حبا لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصا على حفظ ما سمعوا لأنهم كانوا من منذري الجن ، فحرصوا على حفظه ووعيه لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ، وتعجبوا مما سمعوا لأنهم سمعوه من مكان لم يكن مكان قراءة الكتب ، وسمعوه{[22342]} من الأمّيّ الذي لم يقرأ كتابا قط ، ولا عرف المكتوب ، فتعجبوا منه أشد التعجب . واللبد التصاق الشيء بالشيء التصاقا لا يفصل بعضه من بعض ، وسمي اللبد لبدا من هذا لأن الصوف يلتصق بعضه ببعض{[22343]} حتى لا يسرد{[22344]} . ومنهم من زعم أنهم فعلوا هذا لشدة معاداتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون على هذا منصرفا إلى الكفرة .

فقوله تعالى : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه }فمعناه/604- أ/ أي لمّا قام محمد صلى الله عليه وسلم يوحد الله تعالى ، ويدعو الخلق إلى عبادته وطاعته ، همّ المشركون من الإنس والجنّ ، وتلبدوا على هذا الأمر أن يطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ، ويمضيه .

وإن كان هذا من أهل الإسلام من الجن ، والدعاء راجع إلى العبادة ، فكأنه يقول : لمّا قام بعبادة الله تعالى ، وهي الصلاة{ كادوا يكونون عليه لبدا } لشدة حرصهم في تحفظ ما سمعوا وشدة حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما سمعوا .


[22341]:في الأصل و م: إلى بعض.
[22342]:في الأصل و م: وسمعوا.
[22343]:في الأصل و م: من بعض.
[22344]:في الأصل و م: يسر.