واستجاب الشيخ الكبير لما اقترحته عليه ابنته ، وكأنه أحس بصدق عاطفتها ، وطهارة مقصدها وسلامة فطرتها ، فوجه كلامه إلى موسى قائلا : { قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ }
ولعله أراد بإحداهما ، تلك التى قالت له : يا أبت استأجره ، لشعوره - وهو الشيخ الكبير ، والأب العطوف ، الحريص على راحة ابنته - بأن هناك عاطفة شريفة تمت بين قلب ابنته ، وبين هذا الرجل القوى الأمين ، وهو موسى - عليه السلام - .
وفى هذه الآيات ما فيها من الإشارة إلى رغبة المرأة الصالحة ، فى الرجل الصالح ، وإلى أنه من شأن الآباء العقلاء أن يعملوا على تحقيق هذه الرغبة .
قال الشوكانى : فى هذه الآية مشروعية عرض ولى المرأة لها على الرجل ، وهذه سنة ثابتة فى الإسلام ، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبى بكر وعثمان ، وغير ذلك مما وقع فى أيام الصحابة أيام النبوة ، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله - سبحانه - : { على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } بيان لما اشترطه الشيخ الكبير على موسى - عليه السلام - .
أى قال له بصيغة التأكيد : إنى أريد أن أزوجك إحدى ابنتى هاتين ، بشرط أن تعمل أجيرا عندى لرعى غنمى { ثَمَانِيَ حِجَجٍ } أى : ثمانى سنين .
قال الجمل : وقوله : { على أَن تَأْجُرَنِي } فى محل نصب على الحال ، إما من الفاعل أو من المفعول .
أى : مشروطا على أو عليك ذلك . . . . و { تَأْجُرَنِي } مفعلوه الثانى محذوف أى : تأجرنى نفسك و { ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ظرف له .
وقوله : { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } أى : فإن أتممت عشر سنين كأجير عندى لرعاية غنمى ، أى : فهذا الإتمام من عندك على سبيل التفضل والتكرم فإنى لا أشترط عليك سوى ثمانى حجج .
وقوله { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } بيان لحسن العرض الذى عرضه الشيخ على موسى .
أى : وما أريد أن أشق عليك أو أتبعك فى أمر من الأمور خلال استئجارى لك ، بل ستجدنى - إن شاء الله - تعالى - من الصالحين ، فى حسن المعاملة ، وفى لين الجانب ، وفى الوفاء بالعهد .
وقال : { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ . . . } للدلالة على أنه من المؤمنين . الذين يفرضون أمورهم إلى الله - تعالى - ويرجون توفيقه ومعونته على الخير .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ إِنّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيّ هَاتَيْنِ عَلَىَ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قالَ أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى لموسى : إنّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتيّ هاتَيْنِ عَلى أنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ يعني بقوله : عَلى أن تَأْجُرَنِي : على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حِجَج ، من قول الناس : آجرك الله فهو يَأجُرُك ، بمعنى : أثابك الله والعرب تقول : أَجَرت الأجير آجُره ، بمعنى : أعطيته ذلك ، كما يقال : أخذته فأنا آخذه . وحكى بعض أهل العربية من أهل البصرة أن لغة العرب : أجَرْت غلامي فهو مأجور ، وآجرته فهو مُؤْجَر ، يريد : أفعلته . قال : وقال بعضهم : آجره فهو مؤاجِرِ ، أراد فاعلته وكأن أباها عندي جعل صداق ابنته التي زوّجها موسى رَعْي موسى عليه ماشيته ثمانيَ حجج ، والحِجَج : السنون .
وقوله : فإنْ أتمَمْتَ عَشْرا فَمِنْ عِنْدِكَ يقول : فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك أحدى ابنتيّ ، فجعلتها عشر حجج ، فإحسان من عندك ، وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي وَما أُرِيدُ أنْ أشُقّ عَلَيْكَ باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ في الوفاء بما قلت لك . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ أي في حُسن الصحبة والوفاء بما قلت .
قال ابن عباس فزوجه التي دعته ، و «تأجر » ، معناه تثيب وقال مكي في هذه الآية خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمر وجعل المهر إجارة ودخل ولم ينقد شيئاً .
قال القاضي أبو محمد : أما التعيين فيشبه أنه كان في أثناء حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملاً وعين بعذ ذلك ، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه فإما رسماه ، وإلا فهو من وقت العقد ، وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية ، وهذا أمر قد قرره شرعنا وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن{[9134]} ، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص ، وبعضهم إلى أنه منسوخ ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة ، وجوزها ابن حبيب وغيره إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة{[9135]} قبل ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح ، أنكحه إياها أكثر من أنكحها إياه هذا معترض ، وجعل شعيب «الثمانية الأعوام » شرطاً ووكل العامين إلى المروءة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.