فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

{ قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ } فيه مشروعية عرض وليّ المرأة لها على الرجل ، وهذه سنة ثابتة في الإسلام ، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان ، والقصة معروفة ، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوّة ، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } أي على أن تكون أجيراً لي ثماني سنين . قال الفراء : يقول على أن تجعل ثوابي أن ترعى غنمي ثماني سنين ، ومحل { على أَن تَأْجُرَنِي } النصب على الحال ، وهو مضارع أجرته ، ومفعوله الثاني محذوف ، أي نفسك و{ ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ظرف . قال المبرد : يقال : أجرت داري ومملوكي غير ممدود وممدوداً ، والأوّل أكثر { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } أي إن أتممت ما استأجرتك عليه من الرعي عشر سنين فمن عندك ، أي تفضلاً منك لا إلزاماً مني لك ، جعل ما زاد على الثمانية الأعوام إلى تمام عشرة أعوام ، موكولاً إلى المروءة . ومحل { فَمِنْ عِندِكَ } الرفع على تقدير مبتدأ : أي فهي من عندك { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بإلزامك إتمام العشرة الأعوام ، واشتقاق المشقة من الشقّ ، أي شق ظنه نصفين ، فتارة يقول : أطيق ، وتارة يقول : لا أطيق . ثم رغبه في قبول الإجارة فقال : { سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين } في حسن الصحبة والوفاء . وقيل : أراد الصلاح على العموم ، فيدخل صلاح المعاملة في تلك الإجارة تحت الآية دخولاً أولياً ، وقيد ذلك بالمشيئة تفويضاً للأمر إلى توفيق الله ومعونته .

/32