اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

قال شعيب عند ذلك :{ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ } . قال أكثر المفسرين : إنه زوجه الصغيرة منهما ، وهي التي ذهبت لطلب موسى واسمها صفورة{[40090]} . قوله : { أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى }{[40091]} روي عن أبي عمرو «أنْكِحَكَ حدى » بحذف همزة «إحدَى »{[40092]} ، وهذه تشبه قراءة ابن محيصن «فَجَاءَتْهُ حْدَاهُما » ، وتقدم التشديد في نون «هَاتَيْنِ » في سورة النساء{[40093]} .

قوله { على أَن تَأْجُرَنِي } في محل نصب على الحال ، إما من الفاعل أو من المفعول ، أي : مشروطاً على أو عليك ذلك{[40094]} . و «تَأْجُرَنِي » مضارع أَجَرْتُه ، كنتُ له أجيراً ، ومفعوله{[40095]} الثاني محذوف ، أي : وتأجُرنِي نفسَك{[40096]} ، و «ثَمَانِيَ حِجَجٍ » ظرف له{[40097]} . ونقل أبو حيان عن الزمخشري أنها هي المفعول الثاني{[40098]} . قال شهاب الدين الزمخشري لم يجعلها مفعولاً ثانياً على هذا الوجه ، وإنّما جعلها مفعولاً ثانياً على وجه آخر ، وأما{[40099]} على هذا الوجه فلم{[40100]} يجعلها غير ظرف ، وهذا نصه ليتبين لك ، قال : «تَأْجُرَنِي » ، من أجرته إذا كنت له أجيراً ، كقولك{[40101]} : أبوته إذا كنت له أَباً ، و «ثَمَانِيَ حِجَجٍ » ظرف{[40102]} ، أو مِنْ أجرته{[40103]} إذا أثبته ، ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آجركُم اللَّهُ ورحِمَكُمْ »{[40104]} و «ثماني حججٍ » مفعول به ، ومعناه رعية ثماني حجج{[40105]} . فنقل الشيخ{[40106]} عنه الوجه الأول من المعنيين المذكورين في «تأجُرنِي » فقط ، وحكى عنه أنه أعرب «ثَمَاني حِجَجٍ » مفعولاً به ، وكيف يستقيم ذلك أو يتجه ؟ وانظر إلى الزمخشري كيف قدر مضافاً ليصح{[40107]} المعنى به ، أي : رَعْيُ ثَمَانِي حِجَجٍ ، لأن العمل هو الذي تقع به الإثابة لا نفس الزمان ، فكيف يوجه الإجارة على الزمان{[40108]} ؟ .

( قوله ){[40109]} «فَمِنْ عِنْدِكَ » يجوز أن يكون في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : فهي من عندك ، أو نصب أي : فقد زدتها أو تفضلت بها من عندك{[40110]} .

فصل :

معنى الآية : أريدُ أن أنكِحَكَ إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تكون أجيراً لي ثمانِ سنين قال الفراء{[40111]} : أي تجعل ثوابي من تزويجها أنْ ترعى غنمي ثماني حجج{[40112]} ، تقول العرب : أَجَرَكَ اللَّه بأجْرِكَ ، أي : أثابك والحِجَج : السِّنُون ، واحدها حجَّة .

{ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } أي : عشر سنين «فَمِنْ عِنْدِك » أي : ذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب{[40113]} عليك{[40114]} . واعلم أن هذا اللفظ - وإن كان على الترديد - فلا شبهة أنه عند التزويج عين ، ولا شبهة في أن العقد وقع على أقل الأجلين ، والزيادة كالتبرع{[40115]} . ودلت الآية على أنَّ العمل قد يكون مهراً كالمال ، وعلى أن إلحاق الزيادة بالثمن والمثمَّن جائز ، ولكنه{[40116]} شرع من قبلنا{[40117]} ، ودلَّت أيضاً على أنه يجوز أن يشرط الوليُّ ، وعلى أنَّ عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد{[40118]} . ( واستدل بعض الحنفية بهذه الآية على صحة بيع أحد هذين العبدين ، أو الثوبين ، وفيه نظر ، لأنها مراضاة لا معاقدة . ودلت الآية أيضاً على صحة الإجارة بالطعمة والكسوة ، كما جرت به العادة ، ويؤيده قوله عليه السلام : «إنَّ مُوسَى أَجَّر نَفْسه ثَمَانِيَ سنينَ أوْ عَشْرَة على عفة فرجه وطعام بطنه » وهو مذهب الحنابلة قاله ابن كثير{[40119]} .

فصل :

قال النووي : الإجارة بكسر الهمزة هو المشهور ، وحكى الرافعي{[40120]} أن الجياني{[40121]} حكى في الشامل أيضاً ضم الهمزة ، قال أهل اللغة : وأصل الأجر الثواب ، يقال : أجرت فلاناً عن عمله كذا أي : أثبته ، والله يأجر العبد أي ؛ يثيبه ، والمستأجر يثيب المأجور عوضاً عن بذل المنافع . قال الواحدي : قال المبرد : يقال أجرت داري ومملوكي غير ممدود ، وآجرت ممدود قال المبرد : والأول أكثر ){[40122]} {[40123]} .

قوله : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } أي ؛ ألزمك تمام العشر . وأَنْ أَشُقَّ ، مفعول «أريد » وحقيقة قولهم{[40124]} : شَقَّ عليه أي : شقَّ ظنَّه نصفين فتارة يقول أطيق ، وتارة لا أطيق ، وهو من أحسن مجاز{[40125]} .

قوله { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } قال عمر : أي في حسن{[40126]} الصحبة والوفاء ولين الجانب{[40127]} . وقيل : أراد الصلاح على العموم ، وإنما قال { إِن شَاءَ اللَّهُ } للاتكال على توفيقه ومعونته{[40128]} ، فإنْ قيل : كيف ينعقد العقدُ بهذا الشَّرط ، ولو قلت أنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ الله لا تطلَّق ؟ فالجواب : هذا ما يختلف بالشرائع{[40129]} .


[40090]:المرجع السابق.
[40091]:في ب: إحدى ابنتي.
[40092]:انظر المختصر (112)، البحر المحيط 7/115.
[40093]:عند قوله تعالى: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} من الآية (16).
[40094]:انظر التبيان 2/1019.
[40095]:في ب: ومفعول. وهو تحريف.
[40096]:انظر البحر المحيط 7/115.
[40097]:انظر البيان 2/231، التبيان 2/1019.
[40098]:البحر المحيط 7/115.
[40099]:في الأصل: أما.
[40100]:في ب: فلا.
[40101]:في ب: كقوله.
[40102]:في الكشاف: ظرفه.
[40103]:في الكشاف: أو من أجرته كذا.
[40104]:انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف(126).
[40105]:الكشاف 3/173.
[40106]:في ب: النسخ. وهو تحريف.
[40107]:في الأصل: يصح.
[40108]:الدر المصون 5/216.
[40109]:ما بين القوسين بياض في الأصل.
[40110]:انظر التبيان 2/1019.
[40111]:قال الفراء: سقط من الأصل.
[40112]:معاني القرآن 2/305.
[40113]:في ب: بواحد. وهو تحريف.
[40114]:انظر البغوي 6/333-334.
[40115]:انظر الفخر الرازي 24/242.
[40116]:في ب: ولكن.
[40117]:انظر الفخر الرازي 24/242.
[40118]:المرجع السابق.
[40119]:انظر تفسير ابن كثير 3/385.
[40120]:هو عبد الكريم بن محمد الرافعي، فقيه شافعي قزويني، تضلع في المذهب والعلوم الإسلامية وله مشاركة في التاريخ واللغة، من كتبه: فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي، والتدوين في أخبار قزوين. مات سنة 623 هـ. المنجد في الأعلام (260).
[40121]:في النسختين: الحار. والتصويب من تهذيب الأسماء واللغات للنووي ص 4.
[40122]:انظر تهذيب الأسماء واللغات (4).
[40123]:ما بين القوسين سقط من ب.
[40124]:في ب: قوله.
[40125]:انظر الكشاف 3/164.
[40126]:في الأصل: جنس.
[40127]:انظر البغوي 6/334.
[40128]:انظر الفخر الرازي 24/242.
[40129]:انظر الفخر الرازي 24/343.