السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

ولما أعلمته ابنته بذلك { قال } لموسى عليه السلام عند ذلك { إني أريد } يا موسى والتأكيد لأن الغريب قلما يرغب فيه أوّل ما يقدم لاسيما من الرؤساء أتم الرغبة { أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } أي : الحاضرتين اللتين سقيت لهما ليتأمّلهما فينظر من يقع اختياره عليه منهما ليعقد له عليها ، قال أكثر المفسرين إنه زوجه الصغرى منهما وهي التي ذهبت لطلب موسى واسمها صفورا على خلاف تقدّم في اسمها ، وقوله { هاتين } فيه دليل على أنه كان له غيرهما وقوله { على أن تأجرني ثماني حجج } إما من أجرته إذا كنت له أجيراً كقولك أبوته إذا كنت له أباً ، وثماني حجج ظرفه ، أي : ترعى غنمي ثماني حجج ، وإما من أجرته كذا إذا أثبته إياه قاله الفراء أي : تجعل ثوابي من تزويجها أي : تجعل أجري على ذلك وثوابي ثماني حجج ، تقول العرب أجرك الله يأجرك أي : أثابك ، ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أجركم الله ورحمكم » وثماني حجج مفعول به ، ومعناه رعية ثماني حجج ، فإن قيل : كيف صح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز ؟ أجيب : بأن ذلك لم يكن عقداً ولكن مواعدة ومواصفة أمر قد عزم عليه ، ولو كان عقداً لقال أنكحتك ولم يقل : إني أريد أن أنكحك ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك ، والحجج ، السنون وإحدها حجة { فإن أتممت عشراً } أي : عشر سنين وقوله { فمن عندك } يجوز أن يكون في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره فهي من عندك ، أو نصب أي : فقد زدتها من عندك أو تفضلت بها من عندك ، وليس ذلك بواجب عليك .

تنبيه : هذا اللفظ يدل على أن العقد وقع على أقلّ الأجلين والزيادة كالتبرّع فالعقد وقع على معين ، ودلت الآية على أن العمل قد يكون مهراً كالمال وعلى أن عقد النكاح لا يفسد بالشروط التي لا يوجبها العقد إن كان وقع شرط هذه الزيادة في العقد . ولما ذكر له ذلك أراد أن يعلمه أن الأمر بعد الشرط بينهما على المسامحة فقال { وما أريد أن أشق عليك } أي : أدخل عليك مشقة بمناقشة ومراعاة أوقات ولا في إتمام عشر ولا غير ذلك ، ثم أكد معنى المساهلة بقوله { ستجدني } وفتح الياء نافع عند الوصل ، والباقون بسكونها ، ثم استثنى على قاعدة : أنبياء الله وأوليائه في المراقبة على سبيل التبرك بقوله { إن شاء الله } أي : الذي له جميع الأمر { من الصالحين } قال عمر : أي : في حسن الصحبة والوفاء بما قلت ، أي : وكل ما تريد من كل خير ، وقيل : أراد الصلاح على العموم ، فإن قيل : كيف ينعقد العقد بهذا الشرط ولو قلت أنت طالق إن شاء الله لم تطلق ؟ أجيب : بأن هذا إنما يختلف بالشرائع أو أن ذلك ذكر للتبرك .