الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

قوله : { أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى } : رُوِيَ عن أبي عمرٍو : " أُنْكِحك حْدَى " بحَذْفِ همزةِ " إحْدى " ، وهذه تُشْبِهُ قراءةَ ابن محيصن " فجاءَتْه حْداهما " . وتقدَّم التشديدُ في نونِ " هاتَيْن " في سورةِ النساء .

قوله : { عَلَى أَن تَأْجُرَنِي } في محلِّ نصبٍ على الحالِ : إمَّا من الفاعلِ أو من المفعول أي : مَشْروطاً على ، أو عليك ذلك . " وتَأْجُرَني " مضارعُ أَجَرْتُه : كنتُ له أَجيراً . ومفعولُه الثاني محذوفٌ أي : تَأْجُرني نفسَك . و " ثماني حِجَج " ظرفٌ له . ونقل الشيخ عن الزمخشري أنها هي المفعولُ الثاني : قلتُ : الزمخشريُّ لم يَجْعَلها مفعولاً ثانياً على هذا الوجهِ ، وإنما جَعَلَها مفعولاً ثانياً على وجهٍ آخرَ . وأمَّا على هذا الوجهِ فلم يَجْعَلْها غيرَ ظرفٍ . وهذا نصُّه ليتبيَّنَ لك . قال : " تَأْجُرُني مِنْ أَجَرْتُه إذا كنتَ له أَجيراً ، كقولك : أَبَوْتُه إذا كنتَ له أباً . وثماني حِججٍ ظرفٌ ، أو مِنْ آجَرْتُه [ كذا ] : إذا أَثْبَتَّه [ إياه ] . ومنه تعزيةٌ/ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم : " آجَرَكم اللهُ ورَحِمَكم " و " ثمانيَ حِجَجٍ " مفعولٌ به . ومعناه رِعْيَةَ ثَمانِي حِججٍ " . فنقل الشيخُ عنه الوجهَ الأولَ من المعنيَيْن المذكورَيْن ل " تَأْجُرَني " فقط ، وحكى عنه أنه أعربَ " ثمانيَ حِجَج " مفعولاً به . وكيف يَسْتقيم ذلك أو يَتَّجه ؟ وانظر إلى الزمخشريِّ كيف قَدَّر مضافاً ليَصِحَّ المعنى به أي : رَعْيَ ثماني حِجج ؛ لأنَّ العملَ هو الذي تقع الإِثابة عليه لا نفسُ الزمان فكيف تُوَجَّه الإِجازةُ على الزمان ؟

قوله : { فَمِنْ عِندِكَ } يجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ ، تقديرُه : فهي مِنْ عندِك ، أو نصبٍ أي : فقَد زِدْتها أو تَفَضَّلْتَ بها مِنْ عندِك .

قوله : { أَنْ أَشُقَّ } مفعولُ " أُرِيْدُ " . وحقيقةُ قولِهم " شَقَّ عليه " أي : شَقَّ ظَنَّه نِصْفَيْن ، فتارةً يقول : أُطيق ، وتارة : لا أُطيق . وهو مِنْ أحسنِ مجازٍ .