الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

السادسة- قوله تعالى : " قال إني أريد أن أنكحك " الآية . فيه عرض الولي بنته على الرجل ؛ وهذه سنة قائمة ، عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل ، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان ، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن الحسن عرض الرجل وليته ، والمرأة نفسها على الرجل الصالح ، اقتداء بالسلف الصالح قال ابن عمر : لما تأيمت حفصة قال عمر لعثمان : إن شئت أنكحك حفصة بنت عمر . الحديث انفرد بإخراجه البخاري .

السابعة- وفي هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي لا حظ للمرأة فيه ؛ لأن صالح مدين تولاه ، وبه قال فقهاء الأمصار ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وقد مضى .

الثامنة- هذه الآية تدل على أن للأب أن يزوج ابنته البكر البالغ من غير استئمار ، وبه قال مالك واحتج بهذه الآية ، وهو ظاهر قوي في الباب ، واحتجاجه بها يدل على أنه كان يعول على الإسرائيليات ، كما تقدم . وبقول مالك في هذه المسألة قال الشافعي وكثير من العلماء وقال أبو حنيفة : إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها أحد إلا برضاها ؛ لأنها بلغت حد التكليف ، فأما إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها لأنه لا إذن لها ولا رضا ، بغير خلاف .

التاسعة- استدل أصحاب الشافعي بقوله : " إني أريد أن أنكحك " علي أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود ومالك على اختلاف عنه . وقال علماؤنا في المشهور : ينعقد النكاح بكل لفظ . وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد . أما الشافعية فلا حجة لهم في الآية ؛ لأنه شرع من قبلنا وهم لا يرونه حجة في شيء في المشهور عندهم ، وأما أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي فقالوا : ينعقد النكاح بلفظ الهبة وغيره إذا كان قد أشهد عليه ؛ لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية ، قالوا : فكذلك النكاح قالوا : والذي خص به النبي صلى الله عليه وسلم تعرى البُضْع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة ، وتابعهم ابن القاسم فقال : إن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظ عن مالك فيه شيئا ، وهو عندي جائز كالبيع قال أبو عمر : الصحيح أنه لا ينعقد نكاح بلفظ الهبة ، كما لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال ، وأيضا فإن النكاح مفتقر إلى التصريح لتقع الشهادة عليه ، وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه ، وقد أجمعوا أن النكاح لا ينعقد بقول : أبحت لك وأحللت لك ، فكذلك الهبة وقال صلى الله عليه وسلم : ( استحللتم فروجهن بكلمة الله ) يعني القرآن ، وليس في القرآن عقد النكاح بلفظ الهبة ، وإنما فيه التزويج والنكاح ، وفي إجازة النكاح بلفظ الهبة إبطال بعض خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم .

العاشرة- قوله تعالى : " إحدى ابنتي هاتين " دل على أنه عرض لا عقد ؛ لأنه لو كان عقدا لعين المعقود عليها له ؛ لأن العلماء إن كانوا قد اختلفوا في جواز البيع إذا قال : بعتك أحد عبدي هذين بثمن كذا ، فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح ؛ لأنه خيار وشيء من الخيار لا يلصق بالنكاح .

الحادية عشرة- قال مكي : في هذه الآية خصائص في النكاح . منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمد ، وجعل المهر إجارة ، ودخل ولم ينقد شيئا .

قلت : فهذه أربع مسائل تضمنتها هذه المسألة :

الأولى : التعيين ، قال علماؤنا : أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة ، وإنما عرض الأمر مجملا ، وعين بعد ذلك وقد قيل : إنه زوجه صفوريا وهي الصغرى يروى عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأوفاهما ، وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى وهي التي جاءت خلفه وهي التي قالت : " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " ) . قيل : إن الحكمة في تزويجه الصغرى منه قبل الكبرى وإن كانت الكبرى أحوج إلى الرجال أنه توقع أن يميل إليها ؛ لأنه رآها في رسالته ، وماشاها في إقباله إلى أبيها معها ، فلو عرض عليه الكبرى ربما أظهر له الاختيار وهو يضمر غيره وقيل غير هذا ، والله أعلم . وفي بعض الأخبار أنه تزوج بالكبرى . حكاه القشيري .

الثانية : وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه . فإما رسماه ، وإلا فهو من أول وقت العقد .

الثالثة : وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية ، وهو أمر قد قرره شرعنا ، وجرى في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن . رواه الأئمة . وفي بعض طرقه : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تحفظ من القرآن ) فقال : سورة البقرة والتي تليها . قال : ( فعلمها عشرين آية وهي امرأتك ) واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فكرهه مالك ، ومنعه ابن القاسم ، وأجازه ابن حبيب . وهو قول الشافعي وأصحابه . قالوا : يجوز أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطة والبناء وتعليم القرآن . وقال أبو حنيفة : لا يصح ، وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة ، أو يسكنها داره سنة ؛ لأن العبد والدار مال ، وليس خدمتها بنفسه مالا . وقال أبو الحسن الكرخي : إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز ؛ لقوله تعالى : " فآتوهن أجورهن " [ النساء : 24 ] وقال أبو بكر الرازي : لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت ، وعقد النكاح مؤبد ، فهما متنافيان . وقال ابن القاسم : ينفسخ قبل البناء ويثبت بعده . وقال أصبغ : إن نقد معه شيئا ففيه اختلاف ، وإن لم ينقد فهو أشد ، فإن ترك مضى على كل حال بدليل قصة شعيب . قال مالك وابن المواز وأشهب وعول على هذه الآية جماعة من المتأخرين والمتقدمين في هذه النازلة . قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية النكاح على الإجارة والعقد صحيح ، ويكره أن تجعل الإجارة مهرا ، وينبغي أن يكون المهر مالا كما قال عز وجل : " أن تبتغوا بأموالكم محصنين " [ النساء : 24 ] هذا قول أصحابنا جميعا .

الرابعة : وأما قوله : ودخل ولم ينقد فقد اختلف الناس في هذا . هل دخل حين عقد أم حين سافر ، فإن كان حين عقد فماذا نقد ؟ وقد منع علماؤنا من الدخول حتى ينقد ولو ربع دينار . قال ابن القاسم : فإن دخل قبل أن ينقد مضى ، لأن المتأخرين من أصحابنا قالوا : تعجيل الصداق أو شيء منه مستحب على أنه إن كان الصداق رعيه الغنم فقد نقد الشروع في الخدمة ، وإن كان دخل حين سافر فطول الانتظار في النكاح جائز إن كان مدى العمر بغير شرط . وأما إن كان{[12356]} بشرط فلا يجوز إلا أن يكون الغرض صحيحا مثل التأهب للبناء أو انتظار صلاحية الزوجة للدخول إن كانت صغيرة . نص عليه علماؤنا

الثانية عشرة- في هذه الآية اجتماع إجارة ونكاح ، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : قال في ثمانية أبي زيد : يكره ابتداء فإن وقع مضى . الثاني : قال مالك وابن القاسم في المشهور : لا يجوز ويفسخ قبل الدخول وبعده ؛ لاختلاف مقاصدهما كسائر العقود المتباينة . الثالث : أجازه أشهب وأصبغ قال ابن العربي : وهذا هو الصحيح وعليه تدل الآية ، وقد قال مالك النكاح أشبه شيء بالبيوع ، فأي فرق بين إجارة وبيع أو بين بيع ونكاح فرع ، وإن أصدقها تعليم شعر مباح صح ، قال المزني : وذلك مثل قول الشاعر :

يقول العبدُ فائدتِي ومالي *** وتقوى الله أفضلُ ما استَفَادَا

وإن أصدقها تعليم شعر فيه هجو أو فحش كان كما لو أصدقها خمرا أو خنزيرا

الثالثة عشرة- قوله تعالى : " على أن تأجرني ثماني حجج " جرى ذكر الخدمة مطلقا وقال مالك : إنه جائز ويحمل على العرف ، فلا يحتاج في التسمية إلى الخدمة وهو ظاهر قصة موسى ، فإنه ذكر إجارة مطلقة وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز حتى يسمى لأنه مجهول ، وقد ترجم البخاري : [ باب من استأجر أجيرا فبين له الأجل ولم يبين له العمل ] لقوله تعالى : " على أن تأجرني ثماني حجج " . قال المهلب : ليس كما ترجم ؛ لأن العمل عندهم كان معلوما من سقي وحرث ورعي ، وما شاكل أعمال البادية في مهنة أهلها ، فهذا متعارف وإن لم يبين له أشخاص الأعمال ولا مقاديرها ، مثل أن يقول له : إنك تحرث كذا من السنة ، وترعى كذا من السنة ، فهذا إنما هو على المعهود من خدمة البادية ، وإنما الذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدة مجهولة ، والعمل مجهول غير معهود لا يجوز حتى يعلم . قال ابن العربي : وقد ذكر أهل التفسير أنه عين له رعية الغنم ، ولم يرو من طريق صحيحة ، ولكن قالوا : إن صالح مدين لم يكن له عمل إلا رعية الغنم ، فكان ما علم من حاله قائما مقام التعيين للخدمة فيه .

الرابعة عشرة- أجمع العلماء على أنه جائز أن يستأجر الراعي شهورا معلومة ، بأجرة معلومة ، لرعاية غنم معدودة ، فإن كانت معدودة معينة ، ففيها تفصيل لعلمائنا . قال ابن القاسم : لا يجوز حتى يشترط الخلف إن ماتت ، وهي رواية ضعيفة جدا . وقد استأجر صالح مدين موسى على غنمه ، وقد رآها ولم يشترط خلفا . وإن كانت مطلقة غير مسماة ولا معينة جازت عند علمائنا . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تجوز لجهالتها ، وعول علماؤنا على العرف حسبما ذكرناه آنفا . وأنه يعطى بقدر ما تحتمل قوته ، وزاد بعض علمائنا أنه لا يجوز حتى يعلم المستأجر قدر قوته ، وهو صحيح فإن صالح مدين علم قدر قوة موسى برفع الحجر .

الخامسة عشرة- قال مالك : وليس على الراعي ضمان وهو مصدق فيما هلك أو سرق ؛ لأنه أمين كالوكيل . وقد ترجم البخاري : [ باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد فأصلح ما يخاف الفساد ] وساق حديث كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع{[12357]} ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها به ، فقال لهم : لا تأكلوا حتى أسأل النبي أو أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يسأله وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو أرسل إليه فأمره بأكلها . قال عبد الله : فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت . قال المهلب : فيه من الفقه تصديق الراعي والوكيل فيما اؤتمنا عليه حتى يظهر عليهما دليل الخيانة والكذب . وهذا قول مالك وجماعة . وقال ابن القاسم : إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن ويصدق إذا جاء بها مذبوحة وقال غيره : يضمن حتى يبين ما قال .

السادسة عشرة- واختلف ابن القاسم وأشهب إذا أنزى الراعي على إناث الماشية بغير إذن أربابها فهلكت . فقال ابن القاسم : لا ضمان عليه ؛ لأن الإنزاء من إصلاح المال ونمائه . وقال أشهب : عليه الضمان . وقول ابن القاسم أشبه بدليل حديث كعب ، وأنه لا ضمان عليه فيما تلف عليه باجتهاده ، إن كان من أهل الصلاح ، وممن يعلم إشفاقه على المال . وأما إن كان من أهل الفسوق والفساد وأراد صاحب المال أن يضمنه فعل ؛ لأنه لا يصدق أنه رأى بالشاة موتا لما عرف من فسقه .

السابعة عشرة- لم ينقل ما كانت أجرة موسى عليه السلام . ولكن روى يحيى بن سلام أن صالح مدين جعل لموسى كل سخلة توضع خلاف لون أمها ، فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك بينهن يلدن خلاف شبههن كلهن . وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء تولد له ، فولدن له كلهن بلقا . وذكر القشيري أن شعيبا لما استأجر موسى قال له : أدخل بيت كذا وخذ عصا من العصي التي في البيت ، فأخرج موسى عصا ، وكان أخرجها آدم من الجنة ، وتوارثها الأنبياء حتى صارت إلى شعيب ، فأمره شعيب أن يلقيها في البيت . ويأخذ عصا أخرى ، فدخل وأخرج تلك العصا ، وكذلك سبع مرات كل ذلك لا تقع بيده غير تلك ، فعلم شعيب أن له شأنا ، فلما أصبح قال له : سق الأغنام إلي مفرق الطريق ، فخذ عن يمينك وليس بها عشب كثير ، ولا تأخذ عن يسارك فإن بها عشبا كثيرا وتنينا كبيرا لا يقبل المواشي ، فساق المواشي إلى مفرق الطريق ، فأخذت نحو اليسار ولم يقدر على ضبطها ، فنام موسى وخرج التنين ، فقامت العصا وصارت شعبتاها حديدا وحاربت التنين حتى قتلته ، وعادت إلى موسى عليه السلام ، فلما انتبه موسى رأى العصا مخضوبة بالدم ، والتنين مقتولا ، فعاد إلى شعيب عشاء ، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام ، فإذا أثر الخصب باد عليها ، فسأله عن القصة فأخبره بها ، ففرح شعيب وقال : كل ما تلد هذه المواشي هذه السنة قالب لون أي ذات لونين فهو لك ، فجاءت جميع السخال تلك السنة ذات لونين ، فعلم شعيب أن لموسى عند الله مكانة . وروى عيينة بن حصن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أجر موسى نفسه بشبع بطنه وعفة فرجه ) فقال له شعيب لك منها يعني من نتاج غنمها ما جاءت به قالب لون ليس فيها عزوز ولا فشوش ولا كموش ولا ضبوب ولا ثعول قال الهروي : العزوز البكيئة ، مأخوذ من العزاز وهي الأرض الصلبة ، وقد تعززت الشاة ، والفشوش التي ينفش لبنها من غير حلب وذلك لسعة الإحليل ، ومثله الفتوح والثرور ومن أمثالهم : لأُفشّنّك فَشّ الوطب أي لأخرجن غضبك وكبرك من رأسك ويقال : فش السقاء إذا أخرج منه الريح ومنه الحديث : ( إن الشيطان يفش بين أليتي أحدكم حتى يخيل إليه أنه أحدث ) أي ينفخ نفخا ضعيفا والكموش : الصغيرة الضرع ، وهي الكميشة أيضا ، سميت بذلك لانكماش ضرعها وهو تقلصه ، ومنه يقال : رجل كميش الإزار ، والكشود مثل الكموش ، والضبوب الضيقة ثقب الإحليل ، والضب الحلب بشدة العصر ، والثعول الشاة التي لها زيادة حلمة وهي الثعل والثعل زيادة السن ، وتلك الزيادة هي الراؤول{[12358]} ورجل أثعل والثعل ضيق{[12359]} مخرج اللبن . قال الهروي : وتفسير قالب لون في الحديث أنها جاءت على غير ألوان أمهاتها

الثامنة عشرة- الإجارة بالعوض المجهول لا تجوز ، فإن ولادة الغنم غير معلومة ، وإن من البلاد الخصبة ما يعلم ولاد الغنم فيها قطعا وعدتها وسلامة سخالها كديار مصر وغيرها ، بيد أن ذلك لا يجوز في شرعنا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر ، ونهى عن المضامين والملاقيح والمضامين ما في بطون الإناث ، والملاقيح ما في أصلاب الفحول وعلى خلاف ذلك قال الشاعر :

ملقُوحَةً في بطنِ نابٍ حَامِلِ

وقد مضى في سورة " الحجر " {[12360]} بيانه على أن راشد بن معمر أجاز الإجارة على الغنم بالثلث والربع ، وقال ابن سيرين وعطاء : ينسج الثوب بنصيب منه ، وبه قال أحمد .

التاسعة عشرة- الكفاءة في النكاح معتبرة ، واختلف العلماء هل في الدين والمال والحسب ، أو في بعض ذلك والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والفرشيات ؛ لقوله تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " [ الحجرات : 13 ] وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريبا طريدا خائفا وحيدا جائعا عريانا ، فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه{[12361]} ورأى من حاله ، وأعرض عما سوى ذلك ، وقد تقدمت هذه المسألة مستوعبة والحمد لله .

الموفية عشرين- قال بعضهم : هذا الذي جرى من شعيب لم يكن ذكرا لصداق المرأة ، وإنما كان اشتراطا لنفسه على ما يفعله الأعراب ، فإنها تشترط صداق بناتها ، وتقول لي كذا في خاصة نفسي ، وترك المهر مفوضا ، ونكاح التفويض جائز . قال ابن العربي : هذا الذي تفعله الأعراب هو حلوان وزيادة على المهر ، وهو حرام لا يليق بالأنبياء ، فأما إذا اشترط الولي شيئا لنفسه ، فقد اختلف العلماء فيما يخرجه الزوج من يده ولا يدخل في يد المرأة على قولين : أحدهما : أنه جائز . والآخر : لا يجوز والذي يصح عندي التقسيم ، فإن المرأة لا تخلو أن تكون بكرا أو ثيبا ، فإن كانت ثيبا جاز ؛ لأن نكاحها بيدها ، وإنما يكون للولي مباشرة العقد ، ولا يمتنع أخذ العوض عليه كما يأخذه الوكيل على عقد البيع ، وإن كانت بكرا كان العقد بيده ، وكأنه عوض في النكاح لغير الزوج وذلك باطل ، فإن وقع فُسِخ قبل البناء ، وثبت بعده على مشهور الرواية والحمد الله .

الحادية والعشرون- لما ذكر الشرط وأعقبه بالطوع في العشر خرج كل واحد منهما على حكمه ، ولم يلحق الآخر بالأول ، ولا اشترك الفرض والطوع ؛ ولذلك يكتب في العقود الشروط المتفق عليها ، ثم يقال وتطوع بكذا ، فيجري الشرط على سبيله ، والطوع على حكمه ، وانفصل الواجب من التطوع . وقيل : ومن لفظ شعيب حسن في لفظ العقود في النكاح أنكحه إياها أولى من أنكحها إياه على ما يأتي بيانه في " الأحزاب " وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطا ، ووكل العاشرة إلي المروءة .


[12356]:الزيادة من "أحكام القرآن لابن العربي".
[12357]:سلع: جبل بالمدينة.
[12358]:الزيادة من للسان، وفي الأصل:" هي الثعل" ولعله تحريف؛ إذ أن عبارة اللسان "وتلك السن الزائدة يقال لها الراءول"
[12359]:زيادة يقتضيها المعنى.
[12360]:راجع ج 10 ص 17 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[12361]:الزيادة من أحكام القرآن لابن العربي".