المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

18- وأنزلنا من السماء مطراً بحكمة وتقدير في تكوينه وإنزاله ، وتيسيراً للانتفاع به جعلناه مستقراً في الأرض علي ظهرها وفي جوفها ، وإنا لقادرون علي إزالته وعدم تمكينكم من الانتفاع به ، ولكنا لم نفعل رحمة بكم ، فآمنوا بخالقه واشكروه{[141]} .


[141]:{وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض، وإنا علي ذهاب به لقادرون}: تشير هذه الآية الكريمة إلي معان خاصة بالدورة المائية في الأرض، فمن المعلوم أن عمليان البخر من المحيطات والبحار تنشأ عنها إثارة السحب التي ينزل منها المطر الذي هو أساس المياه العذبة علي سطح الأرض والعنصر الأساسي للحياة عليها، ومن الأمطار تفيض الأنهار التي تهب الحياة للمناطق القاحلة والنائية. ثم هي أخيرا تصب في البحار، وتعيد الطبيعة الكرة من البحر إلي الجو إلي البر ثم إلي البحر ثانية. غير أن بعض مياه الأمطار في أثناء هذه الدورة الطبيعية يتسرب إلي باطن القشرة الأرضية مكونا المياه الجوفية التي تنتقل فيها من مكان إلي آخر، وكثيرا ما تستقر وتظل مختزنة في أحواض تركيبية شاسعة تحت السطح تقيدها في مكانها آمادا طويلة، كتلك التي توجد تحت الصحراء الغربية الليبية، والتي كشفت البحوث الحديثة عن أصلها القديم، وقد تعتري مثل هذه التراكيب الجيولوجية الخازنة تغيرات حرارية يسميها العلماء بالثورات الجيولوجية، فتذهب بها وما بها من ماء إلي أمكنة أخرى قاحلة، فتحييها بعد موتها. وتشير هذه الآية إلي الحكة العالية في توزيع الماء بقدر أي بتقدير لائق حكيم، لاستجلاب المنافع ودفع المضار. وثم معنى آخر للآية الكريمة يفيد: أن مشيئة الخالق ـ جل وعلا ـ اقتضت أن يسكن في الأرض كمية معلومة من المياه في محيطاتها وبحارها تكفي لحدوث التوازن الحراري المناسب في هذا الكوكب، وعدم وجود فروق عظيمة بين درجات حرارة الصيف والشتاء لتلائم الحياة، كما في بعض الكواكب والتوابع كالقمر. كما أن مياه الأرض أنزلت بقدر معلوم لا يزيد فيغطي كل سطحها، ولا يقل فيقصر دون ري الجزء الربي منها.