فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء } هذا من جملة ما امتن الله سبحانه به على خلقه . والمراد : بالماء ماء المطر ، فإن به حياة الأرض وما فيها من الحيوان ، ومن جملة ذلك ماء الأنهار النازلة من السماء والعيون ، والآبار المستخرجة من الأرض ، فإن أصلها من ماء السماء . وقيل : أراد سبحانه في هذه الآية الأنهار الأربعة : سيحان ، وجيحان ، والفرات ، والنيل ، ولا وجه لهذا التخصيص . وقيل : المراد به : الماء العذب ، ولا وجه لذلك أيضاً فليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء ، ومعنى { بِقَدَرٍ } : بتقدير منا أو بمقدار يكون به صلاح الزرائع والثمار ، فإنه لو كثر لكان به هلاك ذلك ، ومثله قوله سبحانه : { وَإِن مّن شَيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ معْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] ومعنى { فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض } : جعلناه مستقرّاً فيها ينتفعون به وقت حاجتهم إليه كالماء الذي يبقى في المستنقعات والغدران ونحوها { وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون } أي كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه ، ولهذا التنكير حسن موقع لا يخفى ، وفي هذا تهديد شديد لما يدلّ عليه من قدرته سبحانه على إذهابه وتغويره حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم ، ومثله قوله : { قُلْ أَرَأيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَعِينٍ } [ الملك : 30 ] .

/خ22