الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

{ بِقَدَرٍ } بتقدير يسلمون معه من المضرة ، ويصلون إلى المنفعة . أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم . { فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأرض } كقوله : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الأرض } [ الزمر : 21 ] وقيل : جعلناه ثابتاً في الأرض . وقيل : إنها خمسة أنهار : سيحون نهر الهند . وجيحون : نهر بلخ ، ودجلة والفرات : نهرا العراق . والنيل : نهر مصر ، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة ، فاستودعها الجبال ، وأجراها في الأرض ، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معيشهم . وكما قدر على أنزاله فهو قادر على رفعه وإزالته . وقوله : { على ذَهَابٍ بِهِ } من أوقع النكرات وأحزها للمفصل . والمعنى : على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه . وفيه إيذان باقتدار المذهب ، وأنه لا يتعايى عليه شيء إذا أراده ، وهو أبلغ في الإيعاد ، من قوله : { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء ويقيدوها بالشكر الدائم ، ويخافوا نفارها إذا لم تشكر .