التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

قوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ( 18 ) فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ( 19 ) وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ( 20 ) وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ( 21 ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( 22 ) } هذا إخبار من الله عن إنعامه على عباده . وهو إنعام كثير ومنبسط ومستفيض لا يعد ولا يحصى . ويأتي في طليعة ما أنعم الله به على الناس إنزاله القطر من السماء ( بقدر ) أي بحسب الحاجة للعباد فلا يكون كثيرا كثرة تفسد الأرض والحرث والعمران . ولا يكون قليلا قلة يظمأ بها الناس والأنعام وتفسد الحروث والنبات . لا جرم أن هذا دليل على حقيقة الصانع القادر الذي خلق كل شيء بقدر . فلا فوضى ولا خبط ولا عشوائية وإنما خلق دقيق ومقدور وموزون من غير زيادة ولا نقصان . كل ذلك يدل على عظمة اللطيف الخبير .

قوله : ( فأسكناه في الأرض ) أي جعلنا الماء النازل من السماء يستقر في الأرض فيمتلئ به جوفها ، ومن ثم تتفجر الأنهار والآبار والينابيع والعيون لتكون ثجّاجة يفيض منها الماء العذب الصافي فيضا فتستقي منه الأراضي وما فيها مغروسات ومزروعات ويستقي منه العباد والدواب .

قوله : ( وإنا على ذهاب به لقادرون ) من فضل الله ونعمته على الخلق أن سلك الماء في ثنايا الأرض فجعله مخزونا قريبا من سطحها ، ليسهل أخذه والانتفاع به . والله جل وعلا قادر على إذهاب الماء بمختلف وجوه الإذهاب والصرف . وذلك كجعله يغور في أعماق الأرض إلى المدى الذي لا يوصل فلا ينتفع به أحد ، فيتضرر الناس وسائر الأحياء .