تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

قوله سبحانه : { حرمت عليكم الميتة } ، يعني أكل الميتة ، { والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } ، يعني الذي ذبح لأصنام المشركين ولغيرهم ، هذا حرام البتة إن أدركت ذكاته أو لم تدرك ذكاته ، فإنه حرام البتة ، لأنهم جعلوه لغير الله عز وجل ، ثم قال عز وجل : { والمنخنقة } ، يعني وحرم المنخنقة ، الشاة ، والإبل ، والبقر التي تنخنق أو غيره حتى تموت ، { والموقوذة } ، يعني التي تضرب بالخشب حتى تموت ، { والمتردية } ، يعني التي تردى من الجبل ، فتقع منه أو تقع في بئر فتموت ، { والنطيحة } ، يعني الشاة تنطح صاحبتها فتموت ، { وما أكل السبع } من الأنعام والصيد ، يعني فريسة السبع .

ثم استثنى ، فقال سبحانه : { إلا ما ذكيتم } ، يعني إلا ما أدركتم ذكاته من المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، فما أدركتم ذكاته من المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع مما أدركتم ذكاته ، يعني بطرف ، أو بعرق يضرب ، أو بذنب بتحرك ، ويذكي فهو حلال ، { وما ذبح على النصب } ، يعني وحرم ما ذبح على النصب ، وهي الحجارة التي كانوا ينصبونها في الجاهلية فيعبدونها ، فهو حرام البتة ، وكان خزان الكعبة يذبحون لها ، وإن شاءوا بدلوا تلك الحجارة بحجارة أخرى ، وألقوا الأولى .

ثم قال تعالى ذكره : { وأن تستقسموا بالأزلام } ، يعني وأن تستقسموا الأمور بالأزلام ، والأزلام قدحان في بيت أصنامهم ، فإذا أرادوا أن يركبوا أمرا أتوا بيت أصنامهم ، فضربوا بالقدحين ، فما خرج من شيء عملوا به ، وكان كتب على أحدهما : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، فإذا أرادوا سفرا أتوا ذلك البيت ، فغطوا عليه ثوبا ، ثم يضربون بالقدحين ، فإن خرج السهم الذي فيه : أمرني ربي ، خرج في سفره ، وإن خرج السهم الذي فيه : نهاني ربي ، لم يسافر ، فهذه الأزلام .

{ ذلكم فسق } ، يعني معصية حراما ، { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم } ، يعني لا تخشوا الكفار ، { واخشون } في ترك أمري ، ثم قال سبحانه : { اليوم أكملت لكم دينكم } ، يعني يوم عرفة ، لم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ولا حكم ، ولا حد ، ولا فريضة ، غير آيتين من آخر سورة النساء : { يستفتونك . . . } ( النساء : 176 ) ، { اليوم أكملت لكم دينكم } ، يعني شرائع دينكم أمر الحلال والحرام ، وذلك أن الله جل ذكره كان فرض على المؤمنين شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالبعث ، والجنة ، والنار ، والصلاة ركعتين غدوة وركعتين بالعشي شيئا غير مؤقت ، والكف عن القتال قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج ، وهو بعد بمكة ، والزاكة المفروضة بالمدينة ، ورمضان ، والغسل من الجنابة ، وحج البيت ، وكل فريضة .

فلما حج حجة الوداع ، نزلت هذه الآية يوم عرفة ، فبركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لنزول الوحي بجمع ، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها إحدى وثمانين ليلة ، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ، وهي آخر آية نزلت في الحلال والحرام ، { اليوم أكملت لكم دينكم } ، يعني شرائع دينكم أمر حلالكم وحرامكم ، { وأتممت عليكم نعمتي } ، يعني الإسلام إذ حججتم وليس معكم مشرك ، { ورضيت لكم الإسلام دينا } ، يعني واخترت لكم الإسلام دينا ، فليس دين أرضى عند الله عز وجل من الإسلام .

قال سبحانه : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 85 ) ، ثم قال عز وجل : { فمن اضطر في مخمصة } ، يعني مجاعة وجهد شديد أصابه من الجوع ، { غير متجانف لإثم } غير متعمد لمعصية ، { فإن الله غفور رحيم } ، إذا رخص له في أكل الميتة ، ولحم الخنزير ، حين أصابه الجوع الشديد والجهد ، وهو على غير المضطر حرام .