غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

73

ثم حث على قيام الليل فقال : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } قال أبو عبيدة وابن الأعرابي : هذا من الأضداد لأنه يقال : هجد الرجل إذا نام وهجد أيضاً إذا صلى من الليل ، وبوسط الأزهري فقال : الهجود في الأصل هو النوم بالليل ، ولكن تاء التفعل فيه لأجل التجنب به ومنه " تأثم " " وتحرج " وإذا ألقى الإثم والحرج عن نفسه . فكأن به المتهجد يدفع الهجود عن نفسه . وبوجه آخر لما كان غرض المصلي بالليل أن يطيب رقاده وهجوده بعد الموت سمي بذلك الاعتبار متهجداً . وربما يقال : سمي تهجداً لأن الأصل فيه أن يرقد ثم يصلي ثم يرقد ثم يصلي ، فهو صلاة بعد رقاد كما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولداود كما جاء في الحديث : " أفضل القيام قيام داود كان ينام ثلثه ويقوم سدسه ثم ينام ثلثه ويقوم سدسه " قال جار الله : معنى { ومن الليل } وعليك بعض الليل { فتهجد به } وقال في التفسير الكبير : تقديره وأقم الصلاة في بعض الليل فتهجد به أي بالقرآن ومعنى نافلة زائدة كما مر في أول " الأنفال " . ثم من ذهب إلى أن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم . زعم أن معناها كونها فريضة له زائدة على الصلوات الخمس ، أو المراد أن فرضيتها نسخت عنك فصارت تطوعاً زائدة على الفرائض . ويرد عليه أن الأمر ظاهره الوجوب فيكون بين قوله : { فتهجد } وبين قوله { نافلة } تعارض ، وكذا الاعتراض على قول من يقول إن صلاة الليل لم تكن واجبة عليه . ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله : { نافلة } قرينة صارفة للوجوب إلى الندب . وعن مجاهد والسدي أن كل طاعة يأتي بها النبي سوى المكتوبة فإن تأثيرها لا يكون في كفارة الذنوب لأنه غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ، وإنما تكون مؤثرة في زيادة الدرجات وكثرة الثواب ولا كذلك حال الأمة فكأنه قيل للنبي : إن هذه الطاعات زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك ، لأن غيرك يحتاج إليها في تكفير السيئات ومن تقييد التهجد بقوله : { نافلة لك } يعلم أن قوله : { أقم الصلاة } عام له ولكل أمته وإن كان ظاهره خطاباً معه .

ثم وعده على إقامة الفرائض والنوافل بقوله : { عسى أن يبعثك ربك } ولا ريب أن " عسى " من الكريم أطماع واجب قال في الكشاف : انتصب { مقاماً محموداً } على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً ، أو ضمن يبعثك معنى يقيمك ، أو هو حال أي يبعثك ذا مقام محمود ، وقيل : إنه مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات . والأولى أن يخص ذلك بالشفاعة لأنه الحمد إنما يكون بإزاء إنعام ولا إنعام للنبي على أمته في الآخرة إلا إنعام الشفاعة ، أو لا إنعام أجل منها لأن السعي في تخليص الغير من العقاب أهم من السعي في إيصال الثواب إليه ، ويؤيده رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي . " وأما ما روى عن حذيفة أن المقام المحمود هو أن يجمع الناس في صعيد واحد ولا تتكلم نفس ، فأول مدعو محمد فيقول : لبيك وسعديك والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت . فليس بقوي لأن هذا القول من محمد لا يوجب حمداً له من أمته إلا أن يكون من مقامات الشفاعة فيرجع إلى الأول . وقيل : أراد مقاماً تحمد عاقبته . وروى الواحدي عن ابن مسعود أن ذلك حين يقعد محمد معه على العرش وزيف بلزوم التحيز له تعالى .

/خ89