ثم حث على قيام الليل فقال : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } قال أبو عبيدة وابن الأعرابي : هذا من الأضداد لأنه يقال : هجد الرجل إذا نام وهجد أيضاً إذا صلى من الليل ، وبوسط الأزهري فقال : الهجود في الأصل هو النوم بالليل ، ولكن تاء التفعل فيه لأجل التجنب به ومنه " تأثم " " وتحرج " وإذا ألقى الإثم والحرج عن نفسه . فكأن به المتهجد يدفع الهجود عن نفسه . وبوجه آخر لما كان غرض المصلي بالليل أن يطيب رقاده وهجوده بعد الموت سمي بذلك الاعتبار متهجداً . وربما يقال : سمي تهجداً لأن الأصل فيه أن يرقد ثم يصلي ثم يرقد ثم يصلي ، فهو صلاة بعد رقاد كما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولداود كما جاء في الحديث : " أفضل القيام قيام داود كان ينام ثلثه ويقوم سدسه ثم ينام ثلثه ويقوم سدسه " قال جار الله : معنى { ومن الليل } وعليك بعض الليل { فتهجد به } وقال في التفسير الكبير : تقديره وأقم الصلاة في بعض الليل فتهجد به أي بالقرآن ومعنى نافلة زائدة كما مر في أول " الأنفال " . ثم من ذهب إلى أن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم . زعم أن معناها كونها فريضة له زائدة على الصلوات الخمس ، أو المراد أن فرضيتها نسخت عنك فصارت تطوعاً زائدة على الفرائض . ويرد عليه أن الأمر ظاهره الوجوب فيكون بين قوله : { فتهجد } وبين قوله { نافلة } تعارض ، وكذا الاعتراض على قول من يقول إن صلاة الليل لم تكن واجبة عليه . ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله : { نافلة } قرينة صارفة للوجوب إلى الندب . وعن مجاهد والسدي أن كل طاعة يأتي بها النبي سوى المكتوبة فإن تأثيرها لا يكون في كفارة الذنوب لأنه غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ، وإنما تكون مؤثرة في زيادة الدرجات وكثرة الثواب ولا كذلك حال الأمة فكأنه قيل للنبي : إن هذه الطاعات زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك ، لأن غيرك يحتاج إليها في تكفير السيئات ومن تقييد التهجد بقوله : { نافلة لك } يعلم أن قوله : { أقم الصلاة } عام له ولكل أمته وإن كان ظاهره خطاباً معه .
ثم وعده على إقامة الفرائض والنوافل بقوله : { عسى أن يبعثك ربك } ولا ريب أن " عسى " من الكريم أطماع واجب قال في الكشاف : انتصب { مقاماً محموداً } على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً ، أو ضمن يبعثك معنى يقيمك ، أو هو حال أي يبعثك ذا مقام محمود ، وقيل : إنه مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات . والأولى أن يخص ذلك بالشفاعة لأنه الحمد إنما يكون بإزاء إنعام ولا إنعام للنبي على أمته في الآخرة إلا إنعام الشفاعة ، أو لا إنعام أجل منها لأن السعي في تخليص الغير من العقاب أهم من السعي في إيصال الثواب إليه ، ويؤيده رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي . " وأما ما روى عن حذيفة أن المقام المحمود هو أن يجمع الناس في صعيد واحد ولا تتكلم نفس ، فأول مدعو محمد فيقول : لبيك وسعديك والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت . فليس بقوي لأن هذا القول من محمد لا يوجب حمداً له من أمته إلا أن يكون من مقامات الشفاعة فيرجع إلى الأول . وقيل : أراد مقاماً تحمد عاقبته . وروى الواحدي عن ابن مسعود أن ذلك حين يقعد محمد معه على العرش وزيف بلزوم التحيز له تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.