غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذٗا لَّا يَلۡبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا} (76)

73

ثم ذكر طرفاً آخر من مكايدهم فقال : { وإن كادوا ليستفزونك } " إن " مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة كما في الآية الأولى ومعنى { ليستفزونك } ليزعجونك كما مر في قوله :{ واستفزز } [ الآية : 64 ] والأرض إما أرض مكة ، كما قال قتادة ومجاهد ويرد عليه أن " كاد " للمقاربة لا للحصول لكن الإخراج قد حصل قوله : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } [ محمد : 13 ] ويمكن أن يقال : إنهم هموا بإخراجه ولكن الله منعهم من ذلك حتى هاجر بأمر ربه ، فأطلق الإخراج على إرادة الإخراج مجوزاً يؤيده قوله : { وإذا لا يلبثون } وهو معطوف على { يستفزونك } أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زماناً قليلاً أي لو أخرجوك لاستؤصلوا لكنه لم يقع الاستئصال فدل ذلك على عدم وقوع الإخراج . ومن جوز وقوع الإخراج قال : المراد بعدم اللبث أنهم أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل . واما أرض المدينة على ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم وقالوا : يا أبا القاسم إن الأنبياء بعثوا بالشام وهي بلاد مقدسة وكانت مهاجر إبراهيم ، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك . وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم ، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم فعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة أو بذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازماً على الخروج إلى الشام لحرصه على دخول الناس في دين الله فنزلت الآية فرجع . وعلى هذا القول تكون هذه الآية أيضاً مدنية ، والخلاف في معنى الخلف كما مر في قوله : { بمقعدهم خلاف رسول الله } [ التوبة :81 ] وقرىء : { وإذا لا يلبثوا } بحذف النون على إعمال " إذن " فتكون الجملة برأسها معطوفة على جملة قوله : { وإن كادوا ليستفزونك } .

/خ89