غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

60

{ وأما الجدار فكان لغلامين } . قيل : اسمهما أصرم وصريم . وقوله : { في المدينة } بعد قوله : { أتيا أهل قرية } فيه دلالة على أن القرية لا تنافي المدينة ومعنى الاجتماع والإقامة مراعى فيهما . أما الكنز فقيل : هو المال لقوله : { ويستخرجا } ولأن المفهوم منه عند إطلاقه هو المال . وقيل : صحف فيها علم لقوله : { وكان أبوهما صالحاً } ودفن المال لا يليق بأهل الصلاح . وعورض بقول قتادة : أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا . وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا . وجمع بعضهم بين الأمرين فقال : كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه : عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله . وفي قوله : { وكان أبوهما صالحاً } دلالة على أن صلاح الآباء يفيد العناية بأحوال الأبناء . عن جعفر بن محمد رضي الله عنه : كان بين الغلامين وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء ، وذكر من صلاح أبيهما أن الناس كانوا يضعون الودائع عنده فيردها إليهم سالمة . قالت العلماء : الأشبه أن اليتيمين كانا جاهلين بحال الكنز ووصيهما كان عالماً به إلا أنه غائب وق أشرف الجدار على السقوط و { رحمة من ربك } مصدر منصوب بأراد لأنه في معنى رحمهما أو مفعول له { وما فعلته عن أمري } أي اجتهادي ورأيي وإنما فعلته بأمر الله . سؤال : لم قال في الأول : { فأردت أن أعيبها } وفي الثاني : { فأردنا } وفي الثالث { فأراد ربك } ؟ الجواب : لأن الأول إفساد في الظاهر فأسنده إلى نفسه ، وفي الثالث إنعام محض فأسنده إلى الله سبحانه ، وفي الثاني إفساد من حيث القتل وإنعام من حيث التبديل فجمع بين الأمرين . ويمكن أن يقال : إن القتل كان منه ولكن إزهاق الروح كان من الله ، ويحتمل أن يقال : الوحدة في الأول على الأصل ، والجمع في الثاني تنبيه على أنه من العلماء بالمؤيدين بالعلوم الدينية ، والإسناد إلى الله بالآخرة إشارة إلى أنه لا إرادة إلا إرادة الله وما تشاؤون إلا أن يشاء الله { ذلك } الذي ذكر من أسرار تلك الوقائع { تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } أي يرجع المقصود من تلك الأفاعيل إلى ما قررنا ، وأصل تسطع تستطيع كما في قوله : { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع } إلا أن التاء حذفت لأجل التخفيف . وهذا شاذ من جهة القياس ولكنه ليس بشاذ في الاستعمال . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أخي موسى لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب " .

/خ82