غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

172

{ إن الذين يكتمون } عن ابن عباس : نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم - كعب بن الأشرف وحي بن أخطب ونحوهما - كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضول ، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم ، فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم وقالوا : هذا نعت نبي آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة . فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفاً لصفة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتبعونه { ويشترون به } أي بالكتمان لدلالة الفعل عليه ، أو بالمنزل . وقد سبق معنى الاشتراء والثمن القليل { في بطونهم } حال أي ملء بطونهم . أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه { إلا النار } لأنه إذا أكل ما يلتبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار كقولهم " أكل الدم " أي الدية التي هي بدل منه : قال :

أكلت دماً إن لم أرعك بضرة *** بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

وذلك أنهم كانوا يستنكفون عن أخذ الدية وبعيدة مهوى القرط كناية عن طول العنق . ويمكن أن يقال : إنهم يأكلون في الآخرة النار لأكلهم في الدنيا الحرام { ولا يكلمهم الله } بما يحبون لأنهم كتموا كلامه في الدنيا بل بنحو { اخسؤا فيها ولا تكلمون }

[ المؤمنون : 108 ] أو لا يكلمهم الله أصلاً لغضبه عليهم كما هو ديدن الملوك من الإعراض عند السخط والإقبال عند الرضا { ولا يزكيهم } بالإثناء عليهم أو بقبول أعمالهم .

/خ176